نون والقلم

عبدالعزيز النحاس يكتب: التلاحم الوطني.. وبناء مصر الحديثة

 بناء الدول وانتقالها إلى الحداثة والنمو والتطور يحتاج إلى تلاحم وطني وإبداع فكرى وجهد مضاعف وشجاعة في اتخاذ القرار، وجميعها في إطار دولة سيادة القانون التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.

وكل التجارب السابقة تؤكد أن إعادة بناء وإحياء دول كادت أن تندثر بسبب الحروب والصراعات العرقية، قام وسار على قدمين هما ترسيخ دولة القانون والعلم، من أهم تلك التجارب في التاريخ المعاصر الذي ما زال بعض شهوده أحياء على قيد الحياة، نتائج الحرب العالمية الثانية على أوروبا والتي خرجت منها  كل دول أوروبا شبه منعدمة ومتهالكة بعد أن فقدت بنيتها الأساسية ومعظم مرافقها وبنيتها المعمارية وثروتها الاقتصادية ونسبة كبيرة من ثروتها البشرية.

ولم يكن أكثر المتفائلين يعتقد عودة أوروبا قبل مائة عام، وربما لا يدرى البعض أن سكان أوروبا عاشوا سنوات طويلة بدون حمامات في مساكنهم لعدم وجود شبكة صرف صحي، وكانوا يستخدمون الحمامات العامة في الشوارع، كما تم حظر بعض السلع مثل اللبن والبيض ومنحها للأطفال فقط ببطاقات صرف وغيرها من الإجراءات الصارمة تحت مظلة سيادة  القانون وعدم الاستثناءات في شتى مناحي الحياة.. ولم تمر سوى ثلاثة عقود حتى فاجأت أوروبا العالم بالتربع على عرش الحداثة والتطور وتحقيق أعلى معدلات نمو في مرحلة إعادة البناء من عام 1945 وحتى 1975 المشهورة بـ الثلاثين سنة العظيمة التي شهدت الثورة الصناعية وإعادة البناء بالعمل والجهد والتلاحم في ظل سيادة القانون.

إذن مصر وهى تخطو خطواتها الأولى في إطار عملية البناء والتحديث، عليها أن تنظر إلى كل التجارب السابقة، وليس عيباً أن نعيد النظر في بعض التشريعات والقوانين التي تحتاج إلى تعديل أو حتى إلغاء، وإصدار تشريعات جديدة لترسيخ دولة سيادة القانون.. ولعل إصدار مجلس النواب منذ يومين تعديلات على  قانون العقوبات وتغليظ التعدي على أملاك الدولة أو الأملاك الخاصة وأملاك المواطنين يكون بمثابة ترسيخ جديد لدولة القانون.

وهنا يجب عدم التوقف فقط عند إصدار التشريعات والقوانين، وإنما الأهم هو طريقة تفعيل التشريعات والقوانين بعدالة تامة بحيث يصبح التعدي على الأملاك العامة مثله مثل التعدي على أملاك المواطنين، وتصبح الإجراءات نافذة بقوة القانون وليس بقوة الجهة المضارة، ونرى حملات الإزالة للتعدي على أملاك الدولة هي نفس الحملات التي تعيد الحق للمواطن إذا أضير، والأهم أن تكون الحكومة قدوة ومثلا في احترام القانون وأحكام القضاء التي تصدر في مواجهتها، ويشعر المواطن بعجزه عن مواجهتها.. وهو أمر من المؤكد إذا التزمت به الحكومة ومؤسسات الدولة سوف يغير في سلوك المواطن، ويشعره أن الجميع متساوون أمام القانون، وهو أمر يحقق هيبة الدولة  ومصداقيتها أمام مواطنيها والعالم بأسره ويمكن أن يحول مسار الدولة في اتجاهات عديدة وعلى رأسها النواحي الاقتصادية، لإسهامه  بالتأكيد في جذب وإنعاش الاستثمارات الداخلية والخارجية التي تبحث عن مناطق الاستقرار.. وهنا أتوقف أمام نموذج بسيط بات سائداً في المجتمع المصري بالالتزام بإشارة المرور مما أعطى مظهراً حضارياً للمجتمع والتزم الجميع بعد أن أصبح المواطن على قناعة بالمساواة أمام الإشارة.

ثم تأتى القاعدة الثانية في بناء الدول وتطورها وحداثتها وهى العلم.. والمقصود ليس فقط عملية التحصيل العلمي والحصول على شهادة ورقية تثبت حصول الشخص على مؤهل ما، وإنما هي مراحل ثلاث تبدأ بتربية النشء ثم مرحلة التثقيف والتحصيل العلمي، وتنتهي بمرحلة التدريب، بحيث نصبح أمام شاب نافع لنفسه وللمجتمع.. ومع أن هناك محاولات جادة تجرى في  هذا المجال إلا أننا ما زلنا أمام تحديات كثيرة يأتي على رأسها ضرورة وضع برامج محددة لتربية النشء على القيم والمبادئ المصرية الأصيلة وغرس حب الوطن في نفوس الأطفال، ليس من خلال دروس التاريخ  الصماء أو الشعارات الموجهة والجوفاء وإنما بتوجيه الأطفال على يد متخصصين تجاه قيم الصدق والحب والإخلاص واحترام الآخر والمشاركة الأسرية ثم المجتمعية وغيرها من القواعد على غرار ما حدث في اليابان وكندا وغيرها من الدول التي تبنى أجيالها من الطفولة.

ثم تأتى المرحلة التعليمية والتثقيفية، التي أيضا تحتاج إلى إعادة نظر بعد أن أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على الطالب والأسرة معاً والمجتمع أيضاً.. والأخطر أنها تستنزف جزءا كبيرا جدا من موارد هذا المجتمع بدون مردود علمي حقيقي، وتحولت في معظم مراحلها إلى تجارة وسيلة للتربح الهائل، وفقد شعار مجانية التعليم معناه وأهدافه منذ سنوات.. ثم تأتى مرحلة التدريب والإعداد لممارسة العمل وهى مرحلة أساسية في كثير من الدول التي تقوم بإعداد خريجيها في شتى المجالات على الحياة العملية بدءاً من المجال الفني الذي حقق أعلى معدلات النمو في  كثير من الدول التي أهلت خريجيها على العمل في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وحققت من خلالهم  نهضة صناعية كبري.. نفس الأمر يتم تطبيقه على جميع الخريجين وفى شتى المجالات العلمية بحيث تنتهي المرحلة العلمية بشخص محب لوطنه ومجتمعه ويعي حقوقه وواجباته في عمله  ومجتمعه.. شخص فخور بذاته ويضيف لأسرته ويساهم في تحضر وحداثة  وطنه.

نائب رئيس الوفد

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى