نون والقلم

عبدالعزيز النحاس يكتب: الإعلام.. وإهدار قوة مصر الناعمة!!

 القوة الناعمة هي أحد مكونات القوة التي تمتلكها الدولة وتستخدمها للتأثير في محيطها الإقليمي والدولي إضافة إلى كونها قوة أساسية لحماية المجتمع من الداخل في مواجهة التأثيرات الخارجية.

وإذا أضفنا إلى ذلك التحولات السريعة في استراتيجيات الحروب والصرعات الدولية وانتقالها من استخدام القوة الصلبة المتمثلة في العتاد العسكري والحروب التقليدية إلى ما يسمى بحروب الجيل الرابع التي تعتمد على طرق غير تقليدية لزعزعة استقرار الدول وإفشالها من خلال نشر الفتن وتغذيتها، وزرع بؤر الإرهاب ومساعدته، واستخدام وتوجيه وسائل الإعلام في الحروب النفسية، وأيضاً استخدام بعض منظمات المجتمع المدني الموجهة سياسياً.

وجميع هذه الأدوات تعمل تحت مظلة أجهزة الاستخبارات وبوسائل التكنولوجيا الحديثة لتحقيق النتائج المطلوبة والأهداف المحددة، كما يحدث الآن على المسرح الدولي، وفى قلب عدد من الدول العربية التى تنفجر من داخلها، وتستنزف نفسها في صراعات لا تنتج إلا صراعات جديدة.

من هنا تأتى أهمية الحفاظ على القوة الناعمة للدولة واستثمارها باعتبار أنها أكبر قوة يمكن أن تواجه حروب الجيل الرابع تحديداً، ولدينا تجربة مصرية طويلة فى هذا المجال وخبرة تمتد لقرن من الزمان وتحديداً منذ ثورة 19 التي أسست لقواعد الدولة الوطنية المصرية بدءاً من عملية التمصير ومروراً بترسيخ الوحدة الوطنية وتحرير المرأة وبناء اقتصاد وطني وانتهاءً بالحصول على الاستقلال من التبعية العثمانية والحماية البريطانية، ووضع دستور 23 الذي رسخ لكل قواعد الدولة الوطنية الحديثة وأدى إلى تفجر الإبداعات المصرية سياسياً وثقافياً واقتصادياً وفنياً وتحولت مصر إلى دولة رائدة في محيطها الإقليمي والدولة بما تملكه من عناصر القوة الناعمة، إضافة إلى ذلك تشكلت هوية مصرية محددة الملامح مؤثرة في محيطها ومحافظة على مصريتها.

هذه القوة الناعمة والهوية المصرية الليبرالية هي التي حمت الدولة المصرية من حروب الجيل الرابع عندما اختطفت جماعة الإخوان الفاشية السلطة في مصر بمساعدة دول عدة في إطار حروب الجيل الرابع ومن خلال الدعم المالي والإعلامي وبعض منظمات المجتمع المدني والجماعات الإرهابية وغيرها من العوامل المساعدة، التي تحطمت جميعها على صخرة قوة مصر الناعمة التي شكلت قيم وهوية المواطن المصري سواء كان عسكرياً أو مدنياً.. فالجميع مؤمن بمصريته ووطنه، لذلك جاء الثلاثون من يونيه كاشفاً ومزلزلاً للفئة التي اختطفت السلطة ولكل القوى الخارجية.

من هنا أصبح واجباً على الدولة المصرية الانتباه لقوتها الناعمة والحفاظ عليها وتدعيمها واستثمارها.. ولا يخفى على الجميع أن أحد مكونات قوة مصر الناعمة كان فى إعلامها المتميز والمبدع الذي شكل وجدان وثقافة المواطن المصري والعربي منذ قرن من الزمان على يد نخبة من الصحفيين والأدباء والمفكرين الذين أسسوا لصحافة مستنيرة في مصر والبلدان العربية، وجاءت الإذاعة المصرية ثم التليفزيون المصري رائدين في هذا المجال، وكان الإعلام بشكل عام ناقلاً ومرسخاً للثقافة المصرية بكل إبداعاتها وتأثيراتها وأيضاً مرسخاً للثقافة الشعبية المتمثلة في الأفلام والأغاني والرياضة، بات الإعلام المصري أداة سياسية ناجحة، وجعل من القاهرة عاصمة وقبلة الشرق للساسة والأدباء والمفكرين وغيرهم.

الآن نحن بحاجة ملحة إلى مراجعات حقيقية عن أسباب انهيار وتراجع دور الإعلام المصري إلى حد أنه أصبح إعلاماً هشاً وطارداً للمشاهد بعد أن عبثت به أصابع الهواة، مع أنه كان في صدارة المعركة منذ أعوام قليلة للحفاظ على الدولة الوطنية المصرية، وكان حائط صد في مواجهة حروب الجيل الرابع داخلياً وخارجياً إلى حد أن عدد من الصحفيين والإعلاميين كانوا على قوائم الاغتيالات.. وربما لا يدرى العابثون بالإعلام المصري أنهم لا يقضون فقط على أحد أهم مكونات القوة الناعمة المصرية، وإنما يعطون قبلة الحياة لكل المتربصين بهذا الوطن عندما أدار المواطن المصري ظهره للإعلام المصري متجهاً إلى إعلام خارجي أو وسائل السوشيال ميديا المسممة بأهداف ووسائل حروب الجيل الرابع التى نتحدث عنها ليل نهار.. وفى الوقت ذاته نهدم أهم وسائل مواجهتها.

نائب رئيس الوفد

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى