نون والقلم

عاصم عبد الخالق يكتب: أمريكا الحائرة أمام الخطر الأصفر

دون التقليل من أهمية الخطر الروسي التقليدي، تظل الصين هي التهديد الأكبر والأهم للأمن القومي الأمريكي من منظوره الاستراتيجي الشامل.

يعتبر الأمريكيون أن ما يصفونه بالخطر الأصفر القادم من بكين يختلف تماماً عن الخطر الأحمر الذي كان يمثله الاتحاد السوفييتي ثم وريثته الشرعية روسيا. اعتادت واشنطن أن تتعامل مع التحديات الروسية، وبلورت وطبقت على مدى سبعة عقود إستراتيجية واضحة ومتماسكة لاحتوائها ومواجهتها.

خلافاً لذلك ليست لواشنطن رؤية متكاملة محددة الملامح لمواجهة المنافس (إن لم يكن العدو) الصيني الجديد، ربما لحداثة العهد نسبيّاً بمواجهته، وربما لأن طبيعة خطره تختلف كثيراً عن النموذج الروسي.

الصين بنموها الاقتصادي الصاروخي، وتطورها التكنولوجي السريع، وقدراتها العسكرية المتزايدة، ونفوذها السياسي المتمدد، وطموحها اللانهائي تبدو تحديّاً غير تقليدي للهيمنة الأمريكية على العالم.

ومع ذلك تبقى الفجوة واسعة بين إدراك حجم الخطر، وبلورة إستراتيجية ناضجة للتصدي له. وفي محاولة لإصلاح هذا الخلل طرح معهد بروكنجز الأمريكي للأبحاث السياسية سبعة أسئلة توفر إجاباتها الأساس لصياغة الإستراتيجية المطلوبة.

السؤال الأول تعلق بتحديد طبيعة وحجم الطموح القومي للصين. يجزم باحثو المعهد أن بكين لا تخفي تطلعها للتحول إلى قوة عظمى اقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً وسياسياً بحلول منتصف القرن. ولكي تحقق ذلك يجب أن يظل الحزب الشيوعي مسيطراً على السلطة، مع تطوير قدرات عسكرية تمكنها من الدفاع عن أراضيها ومصالحها.

ما يشغل الأمريكيين هنا هو هل تعتبر بكين أن تحقيق هذا الطموح يستلزم إضعاف أو إنهاء الوجود الأمريكي في آسيا؟ الإجابة ستحدد الكيفية التي ستتصرف بها الدولتان في المستقبل.

السؤال الثاني للمعهد هو، أي نوع من البيئة الإقليمية تحتاج إليه الصين لتحقيق طموحها؟ الإجابة المباشرة أنها تريد بيئة داعمة وليست مهددة لمصالحها. أي صداقات وليس عداوات لكي تواصل بزوغها. وترى من الضروري تجنب الصدام مع الولايات المتحدة. غير أن هذا الحرص لا يلغي حقيقة أن مصالح البلدين تتعارض في جوانب كثيرة. وما دامت بكين تسعى لنوع من الهيمنة الإقليمية فلا بد أن تقلق أمريكا.

يطرح المعهد سؤاله الثالث، ويتعلق بالمتطلبات الإستراتيجية الأمريكية في آسيا من ناحية، ولمواجهة الصين من ناحية أخرى. يعتقد الباحثون أن الهدف الأمريكي في آسيا ما زال كما كان منذ القرن التاسع عشر، وهو أن تبقى أسواقها مفتوحة أمام التجارة العالمية، وألّا تشكل دولها مرتكزاً لتهديد الأراضي أو المصالح الأمريكية؛ لذلك يظل التواجد العسكري الأمريكي ضرورياً. ولكن لا ينبغي الخوف من اجتياح عسكري صيني للدول المجاورة؛ لأنها حماقة لا يرتكبها حكماء بكين.

يجب الأخذ في الاعتبار أيضاً أن للولايات المتحدة مصالح مهمة مع الصين نفسها، أي لا يجب النظر إلى العلاقات معها على أنها تنافس فقط، بل تعاون أيضاً.

يمثل الخلاف الإيديولوجي بين البلدين بعداً آخر للتنافر، وهو محور السؤال الرابع، غير أن المعهد يقلل من أهمية هذا العامل؛ لأن البلدين تعاونا طيلة أربعة عقود، وبإمكانهما مواصلة التعاون في المستقبل. يضاف لهذا أن النظام الصيني الفريد من نوعه ليس امتداداً للنظام السوفييتي الشيوعي.

تتعلق الأسئلة الثلاثة الأخيرة بقدرة بكين على الاندماج في النظام العالمي، ومستقبل العلاقات مع واشنطن.

يرى باحثو المعهد أن الصين لا تهدد النظام العالمي، ولا تحتاج إلى تغييره. ولكنها تريد تسويق نظامها كنموذج للحكم والتنمية في العالم والاعتراف به دولياً.

ولا ينبغي أن ترى أمريكا ضرراً في ذلك؛ فأزمتها مع الصين تتعلق بطموح الأخيرة للهيمنة، فضلاً عن الجوانب الأخرى مثل حقوق الملكية، ونقل التكنولوجيا، والعجز التجاري، والتعريفات الجمركية.

أخيراً يعيد بروكنجز التأكيد على أنه في حين يجمع خبراء الأمن القومي على ضرورة اتخاذ موقف متشدد من الصين، فإنهم ينقسمون حول أساليب مواجهتها. والنتيجة أن واشنطن ما زالت حائرة ومترددة أمام خصم يتقدم بثبات، ويعرف تماماً ما يريد.

assemka15@gmail.com

نقلا عن صحيفة الخليج  

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى