نون والقلم

طوني فرنسيس يكتب: تفاهمات أقوى من طائرة اللاذقية

لن يبدل إسقاط الطائرة العسكرية الروسية قبالة الشاطئ السوري، ومصرع 15 عسكرياً روسياً كانوا على متنها، من طبيعة التفاهمات الإسرائيلية– الروسية حول التحركات العسكرية للبلدين في سورية. فعلى رغم الاتصال الحاد بين وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ووزير الدفاع الإسرائيلي إفيغدور ليبرمان، وتحميل المسؤول الروسي إسرائيل مسؤولية الكارثة الروسية، إلا أن الرئيس فلاديمير بوتين سارع إلى التخفيف من حجم الحادث محملاً المسؤولية عنه إلى سلسلة من الأحداث المأساوية قادت إليه. ورفض بوتين المقارنة بينه وبين حادث إسقاط المقاتلة الروسية على يد الأتراك في عام 2016، ما أدى يومها إلى قطيعة مع تركيا جرى إصلاحها بعد اعتذار الرئيس أردوغان، لتستعاد لاحقاً العلاقات «الحميمة» بين الطرفين.

بعد ترتيبات الجنوب السوري التي لعبت فيها روسيا دوراً حاسماً، ظهر عمق التعاون الإسرائيلي الروسي في شأن سورية في ثلاث نقاط أساسية:

الأولى، تضمين هذه الترتيبات بنداً ينص على تنفيذ المطلب الإسرائيلي بابعاد الإيرانيين نحو مئة كيلومتر عن الجولان.

الثانية، التمسك بوقف النار في الجولان كما نصت عليه القرارات الدولية لعام 1974، والذي التزم به حكم آل الأسد طوال العقود الماضية. وحرص الروس على تقديم مساهمة إيجابية لتأكيد الالتزام بهذه النقطة، وتقديم التطمينات لإسرائيل عبر تسيير دوريات الشرطة العسكرية على الخط الفاصل في الجولان، ومساعدة مراقبي «أندوف» في العودة إلى مواقعهم. وكان لافتاً للنظر الإعلان عن تسيير دورية «تطمينية» في هذه المنطقة بعد يومين من حادث الطائرة والجدل الإسرائيلي الروسي في شأنه، ما يعني تمسك روسيا بالتزاماتها في منع استغلال التطورات لإحداث ارباكات ما عبر الجولان.

النقطة الثالثة في ترتيبات الجنوب السوري، هي ما أعلنه قادة إسرائيل صراحة ومواربة من أنهم يفضلون بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سورية، وهذا «سر» من أكثر أسرار السياسة الإسرائيلية علانية منذ اندلاع الانتفاضات في سورية وتحولها لاحقاً إلى حروب متداخلة.

كان بوتين دقيقاً في اختيار كلماته لدى تعليقه على حادث الطائرة. أنه حادث خطير من حيث وقعه على عائلات الجنود الروس، لكنه ليس بداية صدام وتغيير في ما تم إرساؤه من صيغ تعاون بين موسكو وتل أبيب، أراحت الطرفين معاً في الأجواء وعلى الأرض السورية. والأسد نفسه الذي تتحمل قواته المسؤولية التقنية المباشرة عن إسقاط الطائرة لم يظهر عليه الانزعاج، فهو تصرف كجندي في جيش بوتين، لم يتصل بالرئيس الروسي كما فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وترك الأمر للروس يتصرفون في التحقيق وفي السياسة وفي ترتيب الأمور. وفي الأثناء، سيدور نقاش في موسكو حول المسؤوليات وكيفية تعزيز أمن القوات، وستتخذ تدابير تحدث عنها بوتين، وربما تطرح أسئلة عن أدوار سورية وإيرانية في إصابة الطائرة الروسية، وكل ذلك سيقود إلى تعزيز التفاهمات بين موسكو وتل أبيب، التي بدأت منذ 2015 وتكرست على حدود الجولان، وستمتحن في أدلب وسياق التطورات السورية اللاحقة.

نقلا عن صحيفة الحياة

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى