طهران وواشنطن بين الطموح والمواجهة !
مهما كان موقف الرئيس الامريكي دونالد ترمب من الاتفاق النووي الايراني سواء بالانسحاب منه او المطالبة بتعديله،فان هذا الموقف له منابع عديدة تتعدى مسالة الاتفاق النووي الى اعتبارات اخرى تتناول الاستراتيجية الايرانية سواء في جانبها التحديثي للنهوض الداخلي في مسارات محددة وخاصة العسكرية منها، او في جانب طموحها للسيطرة على الشرق الاوسط واعادة مجد الامبراطورية الفارسية القديمه، متجاوزة حقائق العصر المستجدة ، ومتجاهلة الافتراض شبه المطلق بان التاريخ لايكرر نفسه، حتى لو توفرت بعض العوامل التي توحي بذلك.
وفي الاعتبارات الامريكية، فان الاستراتيجية الايرانية تعد تجاوزا لحقائق القوة والسياسة في السلوك الدولي من قبل دولة تعد من الدول النامية، تسعى لتحقيق مالا تستطيع تحقيقه الا دولة كبرى، كما ان ذلك يعد تحديا لرؤية واشنطن كدولة عظمى لاتريد لاي قوة اقليمية او دولية ان تصبح باي حال مصدر تهديد لمصالحها ومنظومة تحالفاتها في منطقة خطرة وحساسة كالشرق الاوسط، او في اي مكان اخر في العالم.
والحقيقة ان اندفاع طهران او على الاصح تحديها لدولة عظمى كاسحة القوة ولقوى اقليمية اخرى ولمحيطها الاقرب اذا ما استمر على حاله، فانه يمثل انتحارا مجانيا على المدى الطويل، فخطورة الدخول في خانة العداء المطلق مع دولة عظمى، تصل بحركة الاشياء الى الصدام العنيف، وذلك تحد لاتستطيع ايران احتماله، فهو في هذه اللحظة من الزمن والزمن المرئي في المستقبل، يفوق طاقتها او يتعدى مواردها، وتلك وصفة فشل لا بشرى نجاح.
تطور العلاقات الامريكية الايرانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان متأرجحا بين الدافئ وشديد البرودة، وربما وصل في بعض الاحيان الى حافة الصدام لولا ان اعترضتها تقديرات الطرفين لمخاطره على كلا الجانبين وعلى المنطقة باسرها،وهكذا فان العلاقات بين الجانبين يمكن تشبيهها بمأساة اغريقية، لو تركت للمصادفات لانتهت بالدم او انتحار للبطل. وكلاهما في الشأن السياسي محظور، لان مهمة السياسة في العصور الحديثة ان تمنع المأساة، وتربط الصلة بين العصر والمصالح، وان تجعل من محاولة العودة الى تاريخ مضى، جزءا من الثقافة الداخلية، وليس محددا للعلاقات مع الاخر قويا كان او ضعيفا كما في الحالة الا يرانية.
ولذلك فان ما بين طهران وواشنطن في عهد ترمب اكثر من مسالة الاتفاق النووي وحصيلته النووية والسياسية في المستقبل، بل تصاحب هذه القضية، مسالة التمدد الايراني او الجموح الايراني الذي اخذ اكثر من مداه المعقول في منطقة الشرق الاوسط، ولايبدو انه في نية ايران التوقف عند حدود معلومة او معقولة لدولة بحجمها ومواردها.
هذا الاسبوع ستتضح ملامح حاضر ومستقبل العلاقة بين الجانبين في عهد ترامب.
ورغم ما نسمعه من ضجيج وانفعالات سواء في واشنطن او في طهران، فان خيارات كل منهما في هذه العلاقة محدودة ومحيرة الى حد كبير. ففي الوقت الحاضر ليس امام واشنطن سوى العودة الى سياسة الاحتواء التي اعتمدت ضد العراق وايران في الثمانينيات. ويتضمن هذا الاحتواء فرض عقوبات جديدة وممارسة ضغوطات على الدول الاخرى لعزل ايران دوليا واقليميا.
وخيارات ايران هي الاخرى لاتتعدى مسألة استئناف تخصيب اليورانيوم والاستمرار في ممارسة سطوتها السياسية والتسليحية والمذهبية في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان، ومحاولة اجراء تجارب صاروخية جديدة توحي بقدرتها العسكرية ارهابا او اغراء لمحيطها ولدول اخرى.
ولكن الى اي مدى يمكن لهذه الخيارات ان تكون جامدة في تداعياتها ولن تتجاوز الحدود المرسومة لها ؟. ان كل هذه الخيارات وان كانت تبدو هادئة الا انها استفزازية في بعض فصولها وخاصة لطرفين يشعران بغرور القوة وبالطموح سواء كان مشروعا او غير مشروع، واي محاولة لكسر هذا الغرور والطموح، سيواجه بردود فعل ربما تكون انفعالية في بعض الاحيان، لانه ليس هناك اصعب من ان يحاول احد ان يوقف مشروعا رهنت دولة نفسها لتحقيقه بالقوة والسياسة والايديولوجيا لسنوات عديدة ودفعت من اجله ثمنا باهضا، ولذلك فهي مستعدة لتقديم تضحيات اخرى ، ضمن حسابات قد تخطئ او تصيب، اي ان السياسة وممارستها في هذه الحالة، قد تصبح لعبة قمار طائشة في حالة انعدام امكانية ممارسة السياسة كلعبة شطرنج تتطلب هدوءا وتفكيرا وحسابات دقيقة للفعل ورد الفعل.
فالعقوبات الامريكية ضد ايران محاولة خنق اقتصادي وسياسي قد لاتستطيع ايران تحملها على المدى البعيد. ومحاولة ايران تخصيب اليورانيوم الى ابعد مدى مع تجارب صاروخية جديدة سيؤدي الى اتهام ايران بانها تسعى لان تصبح كوريا شمالية اخرى في الشرق الاوسط، وذلك يضع العلاقة الامريكية الايرانية على حافة الهاوية، او على الاصح على حافة استخدام القوة، وتلك عاصفة ان وقعت لايمكن تحمل نتائجها او تداعياتها على المنطقة باسرها.
ومؤدى ذلك ان العلاقة الامريكية الايرانية صراع راهن لايصح ان يترك وشأنه، وانما يلزم ادارته بالرشد، مع الوعي بانه سوف يطول ويزداد خشونة وقساوة يعززهما الغرور والطموح والمصالح، وبعض التاريخ الذي مضى ولن يعود.