طارق تهامي يكتب: مئوية جديدة لحزب الوفد (22).. مصطفى النحاس محاميًا وقاضيًا
لسنا وحدنا الذين نعرف أن مصطفى النحاس قد تعرض للظلم، ولسنا وحدنا الذين نكتب تفاصيل الاضطهاد ومحاولات محو سيرة زعيم الأمة، ولكن دراسة بحثية جامعية صدرت في جامعة محمد خيضر في «بسكرة» الجزائرية أكدت أن الدور الوطني للزعيم مصطفى النحاس، لا يمكن تكراره، أو تجاهله، وأكدت أن كل محاولات طمس تاريخه السياسي الوطني الكبير فشلت تمامًا، وأن كل خصوم مصطفى النحاس، تركوا السلطة، وهم غير قادرين على إلغاء إنجازاته التاريخية.
الدراسة التي تحمل عنوان «مصطفى النحاس باشا ودوره في الحركة الوطنية المصرية» أعدها الباحث حملاوي جلال يوسف لنيل درجة الماجيستير، وأشرفت عليها الدكتورة كربوعه سالم.. وقالت الدراسة إن حزب الوفد من الأحزاب التي تعلقت به غالبية الشعب المصري منذ تشكيله في أعقاب الحرب العالمية الأولي حتى قيام ثورة يوليو 1952.. وتحدثت الدراسة عن أبرز محطات مصطفى النحاس، ولكننا نتوقف أمام محطة مهمة لا يتم تركيز الضوء عليها وهي مرحلة عمله بالمحاماة.
تقول الدراسة البحثية الجزائرية. بعد حصول مصطفى النحاس على الشهادة الابتدائية التحق بالمدرسة الخديوية الثانوية بالقاهرة وأمضى فيها 5 سنوات وكان موضع فخر أساتذته ومدرسيه وإعجاب زملائه ومخالطيه، وواصل النحاس دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا (الثانوية العامة الآن) سنة 1896 وكان ترتيبه الأول في الشهادة مثل كل مراحل التعليم، والتحق بمدرسة الحقوق وقد تخرج فيها بعد أربع سنوات من الدراسة الجادة في عام 1900، وكان الأول على جميع زملائه، وقد جرت العادة في ذلك الوقت على تعيين جميع خريجي مدرسة الحقوق كتبة في المحاكم براتب شهري قدره خمسة جنيهات.
ولكن النحاس حث جميع زملائه على رفض هذا التعيين، وعندما تم استدعاؤه لشرح الأسباب كاملة طالب برفع راتبهم إلى خمسة عشر جنيهًا، وبأن يعينوا مساعدي نيابة لا كتبة، حيث قال لهم: «لست أبغى شيئًا لنفسي خاصة، ومهما عرضتم على زملائي فإنني لن أقبل التوظف في النيابات، وانما الذى أطلبه لإخواني هو أن يعينوا في وظائف مساعدي نيابة بمرتب خمسة عشر جنيهًا في الشهر»، وقد رضخت الحكومة لهذه المطالب، وتم تعيين خريجي مدرسة الحقوق مساعدي نيابة براتب عشرة جنيهات فقط، ولكن النحاس نفسه رفض أن يقبل الوظيفة الحكومية، وفضل أن يشتغل محاميًا حتى يكون حرًا.
اقتحم مصطفى النحاس ميدان المحاماة اقتحامًا يعمل فيه مستقلًا وينزله منفردًا، ولم يمض على نيله الشهادة في الحقوق إلا بضعة أشهر، وكان أول ظهوره في المنصورة وكان عمره في ذلك الحين 21 سنة، ولم يبدأ مصطفى عمله محاميًا ناشئًا، ولكنه بدأه محاميًا جديًا موهوبًا، وما لبث مصطفى النحاس في المنصورة قليلًا حتى ذاع صيته، حيث اشتهر بنزاهته وعرف بكفاءاته، وأصبح موضع احترام القضاة والمتقاضين، وعجب الناس لهذا الشاب المحامي وبذلك نجح مصطفى النحاس في بداية حياته العملية كمحام، وكانت أول وظيفة للنحاس مع محمد فريد المحامي الذى خلف مصطفى كامل في زعامة الحزب الوطني.
وقد أصر النحاس منذ اليوم الأول أن يتولى عدة قضايا بنفسه، ويذهب بها إلى المحكمة، حيث لم يكن يريد أن يعامل كمحام صغير ما زال تحت التمرين، وقد ترك النحاس مكتب محمد فريد بعد وقت قصير ليصبح شريكًا كاملًا لمحام مشهور في المنصورة اسمه محمد بك بسيوني، وقد استمر النحاس في الاشتغال بالمحاماة حتى عام 1904، أي لمدة أربع سنوات فقط، وتحول بعدها إلى القضاء واستمر في منصبه قاض وحتى انضمامه إلى الوفد.
ويروى صلاح الشاهد أنه وأثناء حديثه مع النحاس قال له: إنه كان قاضيًا في طنطا وأنه تتبع آثار سعد زغلول عندما كان محاميًا أو لما كان قاضيًا، حيث قال: لقد فتنت بالزعيم الأوحد لهذا الشعب ووكيله المفوض من كل طبقاته وفئاته، المرحوم خالد الذكر سعد زغلول.
وتقول الدراسة إن معرفة النحاس بسعد زغلول حصلت عندما كان النحاس يشتغل بالمحاماة، حيث كان يتبع الأحكام الصادرة عن القاضي سعد زغلول بك، ويعنى بقراءتها، ويتوخى الاسترشاد بها، لما كان يحسه من حسن التقدير لها والإعجاب بها، وما كان يجد فيها من المبادئ الجديدة والمثل العالية، وبعد ما أصبح النحاس قاضيًا ازداد النحاس إعجابًا بسعد، ومرت الأيام وتقلد سعد وزارة الحقانية، حيث انتقل من وزارة المعارف إلى وزارة الحقانية في خطوة التشكيل الوزاري الجديد، وفى هذه الفترة انتقل القاضي مصطفى النحاس إلى القاهرة، حيث أصبح عضوًا في إحدى دوائر المحكمة الأهلية، فحدث له خلاف مع رئيس الدائرة على ثاقب بك حول قضية أراد خلالها رئيس الدائرة الحكم بالإدانة على شخص دون أخذ رأى مصطفى النحاس.
وهذا ما رفضه مصطفى النحاس ووصل نبأ هذا الخلاف إلى سعد فأمر بملاقاة النحاس وأعجب به سعد إعجابًا شديدًا، وقد ظل سعد يذكر ذلك اللقاء على مدار السنين، ومن المفارقة نجد أن هناك تقاربًا شديدًا بين سعد والنحاس، حيث إن هذا الأخير نجح في المحاماة وفى سلك القضاة، ولولا الثورة لبلغ النحاس مراتب عليا في القضاء أو في الوزارات على مر السنين.
رحم الله الزعيم مصطفى النحاس نبي الوطنية ورمزها النقي الورع.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية