نون والقلم

طارق تهامي يكتب: زعماء ليس لهم شبيه!

يتميز الوفد بزعمائه، فهم جزء من تاريخ مصر الحديث، لا يخلو كتاب أو رواية أو عمل فني يتناول هذه المرحلة التاريخية التي مرت بها مصر في الفترة من 1900 وحتى أعتاب القرن الحالي، إلا ولزعماء الوفد نصيب من هذا التاريخ، إما صفحات أو فصولًا أو مشاهد كاملة.

سعد زغلول ومصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين، لمن لا يعرفهم، ليس لهم بديل أو شبيه أو يمكن مقارنتهم بأحد، فهم قيادات طبيعية نشأت من قلب المحنة لتصنع أمجاد وطن كافح وناضل من أجل ترسيخ مفاهيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، ودافعوا عن تراب هذا الوطن بحياتهم وجابوا البلاد طولًا وعرضًا من أجل حماية الوطن، منطلقين من مبادئ الوفد ومنهجه، وصنعوا من مواقفهم وكلماتهم تراثًا مازلنا نعيش عليه حتى اليوم.

من ينسى الجملة الشهيرة التي أطلقها سعد زغلول «الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة» أو ما قاله ناصح أبناء الأمة «إنكم أنبل الوارثين لأقدم مدنية في العالم، وقد حلفتم أن تعيشوا أحرارًا أو تموتوا كرامًا، فلا تدعوا التاريخ يقول يومًا فيكم: أقسموا ولم يبروا بالقسم، فلنثق إذن بقلوب كلها اطمئنان، ونفوس ملأها استبشارًا بالاستقلال التام أو الموت الزؤام».

هل يمكن أن يمحو التاريخ ما قاله مصطفى النحاس «تقطع يدي ولا يفصل السودان عن مصر» أو مقولة فؤاد سراج الدين «إننا ننحاز انحيازًا كاملًا للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامته».

ولأن زعماء الوفد هم صناع التاريخ الحديث في مصر، فقد منحتهم مصر مكانتهم عند توثيق تاريخ مصر.. وأرى هذا التقدير كلما أمر بين ردهات مبنى البرلمان المصري، التاريخي، وأشعر بالفخر والسعادة، عندما أرمق بعيني، صورتي الزعيمين، سعد زغلول ومصطفى النحاس، وهما تزينان حوائط ممرات المبنى العتيق، باعتبارهما اثنين من أهم رموز مجلس النواب، واثنين من أهم رؤسائه عبر التاريخ.

فالمخلصون لهذا الوطن تبقى ذكراهم لمئات الأعوام، الزعيم سعد زغلول توفي عام 1927، ومصطفى النحاس توفي عام 1965، ولكنهما، ومعهما فؤاد سراج الدين الذي توفي عام 2000، ما زالوا أحياء بيننا بذكراهم ومواقفهم الوطنية الخالدة، فالمصريون لا يزالون يعتبرون هؤلاء الزعماء نقطة ضوء في تاريخ الوطن؛ لأن مواقفهم التاريخية كانت في منتهى الصلابة للدفاع عن هذا البلد، ومصالحه العليا.

كان الزعيم سعد زغلول أستاذ ثورة 1919 وزعيم الوطنية وشخصية متفردة، تعلم تعليمًا جيدًا رغم توسط حال أسرته وتفوق في عمله بالمحاماة ثم قاضيًا ثم وزيرًا، وكل ذلك لم يمنعه من الانشغال بالقضية الوطنية وخروج مصر من عباءة الاحتلال الإنجليزي والتأسيس للدولة المصرية الحديثة.

وكان الزعيم مصطفى النحاس، أكثر الزعماء الذين واجهوا جماعات الظلام، فقد رفض خلط الدين بالعمل السياسي، ولم تستطع هذه الجماعات أن تتخذ خطوة للأمام أثناء رئاسته للحكومة.

أما الزعيم فؤاد سراج الدين، فيكفيه أنه صاحب معجزة إعادة الوفد للحياة السياسية، بعد تجميد استمر لأكثر من 25 عامًا، وبعد أن اعتقد الجميع أن الوفد قد انتهى للأبد عاد بأبنائه، وسوف يستمر بهم -بإذن الله.

كان الوفد، وما زال، هو الحزب الوحيد الذي استطاع الصمود أمام كل التحديات التي واجهها في سبيل الحفاظ على ثوابته، ورغم صعوبة المواقف التي تعرض لها، بقي حتى اليوم بمبادئه وأفكاره، فهو الحزب الأوحد، الذي أكمل مائة عام، وهذا إعجاز، سوف يستمر بقدرة أبنائه المخلصين.

حزب الوفد، هو مدرسة وطنية مصرية خالصة بامتياز، وكثير من قيادات الأحزاب الأخرى في مصر، قديمًا وحديثًا، كانوا أعضاء فى الوفد وتعلموا داخله فنون العمل السياسى، ثم تركوه لأسباب أو لأخرى، فأصبحوا قيادات في أحزاب كبرى.

فحزب الوفد هو مكان طبيعي لتعليم المبادئ والوطنية أكثر من كونه مؤسسة تسعى نحو مقاعد أو مناصب، وهذا لا يعنى نفى أهمية السعي نحو التمثيل النيابي المناسب، ومهمة أبناء الوفد، الآن، هي الحفاظ على هذه المبادئ، ومعركتهم الحالية، أن تظل هذه القيم مستمرة مئات الأعوام المقبلة.

كل التحية لروح الزعيم سعد زغلول، والزعيم مصطفى النحاس، والزعيم فؤاد سراج الدين، وكل القيادات الوفدية التي دفعت حياتها وجهدها ووقتها وأموالها ثمنًا لحرية هذا الوطن وتقدمه ورفعته، ورغم كل محاولات طمس نتائج ثورة 1919 أو التقليل منها، إلا أن المصريين، شعبيًا ورسميًا، كانوا في كل مناسبة يؤكدون أنها الثورة الأم، وأن قيادات الوفد التاريخية ستظل نموذجًا للعمل الوطني المخلص لهذا الشعب.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

زر الذهاب إلى الأعلى