نون والقلم

طارق تهامي يكتب: حديث «عَابِر» عن الفساد!

< بمناسبة الحديث عن الفساد الذى مازال مستمرًا فى مصر المحروسة، وبمناسبة المحاكمات التى تنظرها دور العدالة، لمحاسبة المسئولين المتهمين فى قضايا فساد كبرى، وبمناسبة الأخبار التى يتم إعلانها يوميًا عن سقوط مسئولين جدد متلبسين بتقاضى رشاوى لتسهيل إجراءات لتحقيق مصالح مشروعة أو غير مشروعة لمواطنين.. لابد أن نطرح سؤالًا مهمًا: ماذا نحن فاعلون لمواجهة هذا الأخطبوط الذى يسيطر على عدد كبير من مؤسساتنا وهيئاتنا؟! كيف نواجهه ونقضى عليه؟! الإجابة قلناها مرارًا لكن لا يوجد من يستطيع المواجهة الصارمة.

< هذا البلد يحتاج، بلغة شباب الكمبيوتر والإنترنت، إلى «فرمتة» أو إعادة هيكلة وتشغيل! ما نمر به من ظروف هو نتيجة طبيعية لسنوات من الفساد والإفساد المنظم الذى قامت به كل الأنظمة والحكومات منذ يوليو 1952 من أجل السيطرة على مقدرات شعب أرادت الظروف المتعاقبة أن تجعله حقل تجارب سيئة النية لتقضى على أمله فى النمو الاقتصادى والنماء الزراعى والتطور التعليمى، لتظل مصر لسنوات طوال عبارة عن دولة تخرج من مأزق لتسقط فى آخر بلا رحمة، بأيدى مسئولين تولوا إدارة شئونها عبر عقود، فلم يكن يرى أحد من هؤلاء المسئولين، فكرًا آخر سوى فكره الناتج عن عقله، ولا رؤية إلا صادرة من بصيرته، لتتواصل الأجيال الساقطة فى مستنقع الفشل، ولتصل مصر إلى 2019 وهى «تعافر» للهروب من جدول الدول الفاشلة!

< لاحظ أن الدولة فى مصر غائبة عن أداء دورها فى التعليم والصحة والزراعة والاقتصاد، وأن المواطن هو الذى يقوم بهذا الدور بعدما صنع بدائل لعمل الدولة الرئيسى فى هذه المجالات، فأصبح طبيعيًا أن يتجه الناس للمستشفى الخاص والمستوصف التابع للمساجد والعيادة الخاصة، لأنه لا يجد توصيفًا ولا تشخيصًا ولا علاجًا فى المستشفى الحكومى! وأصبح يذهب بأولاده لمراكز الدروس الخصوصية، ويحرض أبناءه على عدم الذهاب للمدارس، لأنها مؤسسات تعليمية فاشلة لا تؤدى الحد الأدنى من مهامها! وعندما ينتقل إلى عمله يستقل الميكروباص والمينى باصات، المملوكة لأفراد، لأن وسائل النقل العام تحولت إلى أدوات تعذيب لا تنتهى ووسائط تعطيل وعرقلة، فقرر الاستغناء عنها رغم أنها الأرخص من غيرها!

< صناعة المصرى لهذه البدائل يمثل ذكاء فطريًا لمواطن يبحث عن الأفضل حتى لو كلفه مالًا وجهدًا أكبر، صحيح أن بعض المواطنين لم يستطيعوا دفع هذا الثمن، وتم سحقهم، ولكن هذا أيضًا مسئولية الدولة التى تخلت عن أداء دورها، واسترخت لسنوات، وعندما فاقت من الغيبوبة، كان الوقت قد فات، وأرادت أن تلقى بالحمل كاملًا على المواطن الذى لم يعد لديه قدرة على التحمل، ولم يتبق لديه سوى الصبر الجميل الذى ورثه عن أجيال سابقة! الدولة بدأت فى تطبيق التأمين الصحى الكامل للمواطن، ولكنها مُطالبة أيضًا بأن تعطى الطبيب ما يكفى حاجته!

< لا يمكن للدولة أن تتحدث،عن مخالفات متعلقة بعدم وجود أطباء ملتزمين فى المستشفيات،فى حين لا يحصل هذا الطبيب على أجر يجعله يكتفى بالعمل فى المستشفى العام! ولا يمكن أن تطالب المدرس بالتواجد والعمل بكفاءة داخل المدرسة وهو لا يجد مصروفات تعليم أولاده، وعندما أرادت الوزارة الحديث عن القضاء على الدروس الخصوصية، تقرر طرح تطوير لا يتناسب مع إمكانيات البنية التحتية للدولة، وتتكلم عن تسليم تابلت فى قرى لا يوجد فيها شبكة جيدة للإنترنت، ورغم تعاقب عدد من الوزراء على التعليم، إلا أن الفكر العتيق غير القادر على تطوير المناهج، ولا طريقة اختبار العقول، مازال هو الفكر السائد والسيد والمسيطر!

< أخيرًا.. لا تقل لى إن الاقتصاد سيتعافى بدون استثمارات قادمة من الخارج، كما أن هذه الاستثمارات لن تأتى فى ظل وجود قوانين بيروقراطية غارقة فى دهاليز دولاب العمل لدى موظفين لا يعرفون سوى اللوائح المعرقلة للاستثمار، والقرارات الباحثة عن ثغرات تؤدى لتوقف العمل!

‏tarektohamy@alwafd.org

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى