صلاح صيام يكتب: عظام في زمن الأقزام.. عاشق الدعوة (1-3)
بقدر ما تحمل الأزمات والشدائد من آلام قد يعجز البشر عن تحملها أو مواجتها, إلا أنها تتيح لنا فسحة من الوقت للتأمل والتدبر واجترار الماضي بعبقه الجميل, ورجاله العظماء الذين أثرو حياتنا بروائع أعمالهم, وبدائع إنجازاتهم , ثم تركونا نترحم ونمصص الشفاه ونبكى على اللبن المسكوب, والغريب أن بكائنا يطول , وترحمنا يستمر, وحسرتنا تدوم لأننا لا نجد عوضا لهؤلاء الرجال في زمن الأقزام.
«من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» هذا الحديث الشريف ينطبق عليه تمام, فقد أحب دين الله سبحانه وتعالى , ووهب حياته كلها للدعوة, وطاف بلاد الدنيا شرقها وغربها لنشرها لا يألو جهدا في ذلك, ولا يخشى إلا الله في تبليغ ما يؤمن به من صحيح الدين وتمام العقيدة في أسلوب سهل لين متأخذا المصطفى صلى الله عليه وسلم قدوة, وصحابته من بعده نبراسا .
عاش الشيخ معوض عوض إبراهيم حياة حافلة امتدت إلى 106 عاما, محافظا على العهد حاملا أمانة الكلمة, حريصا على نفع الناس بما حباه المولى عز وجل من علم (لدنى) لا يعطى لكثير من عباده , ولكن الشيخ ممن عرفوا الله فعرفهم, وحفظوا الله فحفظهم, فلم ينقطع عن مجتمعه, يتابع قضاياه ,ويحلل مشاكله, ويضع الحلول المناسبةـ ما استطاع الى ذلك سبيلا- من أقواله المأثورة (من غير الصواب أن نري في المجتمع ضربا من الفساد أو نوعاً من الخلاف عن طائفة الهدي ثم لا نسارع إلي إصلاح ما فسد وتقويم ما أعوج قبل أن يصير أمر الحياة والأحياء إلي مستوى المستحيل الذى لا نستطيع له ردا , وقال عن الأزهر «الأزهر هو الأب والأم, والمنهل العذب, والمنزل الرحب, والمستقر الآمن, والمنطلق إلى كل ما هو خير».
لا يعرف الكثيرون الشيخ معوض بسبب اختلال معايير القيم، وموازين التقييم، لأننا أصبحنا نلهث وراء من يدَّعون العلم.
عشق الكلمة منذ طفولته، أحب الشعر والأدب وأبدع فيهما، حرص على حفظ القرآن الكريم صغيرًا، ووهب نفسه للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة كتابةً وقولًا وعملًا، وعلى امتداد عمره ظلّ مرشدًا ومعلمًا داخل مصر وخارجها في العديد من البلاد العربية والإسلامية.
ولد الشيخ معوض عوض إبراهيم عام /1330 ه – 1912 م بقرية كفر الترعة الجديد مركز شربين محافظة الدقهلية وألتحق الشيخ بالأزهر الشريف سنة 1344 هـ -1926 م، بعد أن أتم حفظ القرآن الكريم بكُتاب القرية وحصل على الابتدائية عام 1348 ه – 1930 م وكان شيخ المعهد الأزهري حينئذ الشيخ الكبير عبدا لله دراز والد الدكتور الشيخ محمد عبد الله دراز رحمهما الله. وبعدها حصل الشيخ علي الكفاءة عام 1933 م وعلى الثانوية من معهد طنطا عام 1358 هـ – 1935 م.
أولع الشيخ منذ نعومة أظفاره بحب اللغة العربية ودراسة الأدب والاهتمام به ولقد بلغ من تفوقه في فن الأدب أن أستاذ الأدب أهداه كتاب مقامات بديع الزمان وكتب عليه إهداء له، وذلك لنبوغه في فن الأدب، وفي نفس العام نشر له الأستاذ عباس محمود العقاد الكاتب الجبار كما كان يسميه سعد زغلول قصيدة تحت عنوان (استعذاب العذاب) في جريدة الجهاد عام 1932م استلهمها بقوله :
يا ماخراً في عباب الهموم أي عباب وضارباً في فيافي الآلام والأوصاب
كما نشر له الأستاذ هيكل وزير المعارف رحمه الله في عدد مجلة السياسة الأسبوعية الممتاز التي كان يصدرها وكان ذلك عام 1937 م بمناسبة مرور عام على صدور كتاب حياة محمد «صلي الله عليه وسلم »، وكان الشيخ حينئذ بالصف الثاني الثانوي الأزهري.
بعد إنهاء الشيخ المرحلة الثانوية في المعهد الديني الأزهري بطنطا التحق الشيخ بكلية أصول الدين بالقاهرة بالخازندار، وكان عميد الكلية آنذاك الشيخ الإمام الكبير الشيخ عبدالمجيد اللبان رحمه الله وتخرج منها عام1939م , أكمل الشيخ سنتين في تخصص الدعوة وحصل على التخصص عام 1363 ه – 1941 م، ثم بعد ذلك عين واعظا في أسوان عام 1942 م – إلي عام 1945 م، ثم إلي الفيوم من سنة 1945 إلي عام 1948 م، ثم إلي مدينة بورسعيد من عام 1948 إلي عام 1956 م، وفي عام 1952 م حصل فضيلته على تخصص التدريس والتربية من كلية اللغة العربية من جامعة الأزهر، لأنه لا يعين في التدريس إلا من حصل علي تخصص التربية والتدريس من جامعة اللغة العربية وهي لمدة سنتين وكان الشيخ واعظ بورسعيد في ذلك الوقت حينما نال هذه الشهادة .
ذهب الشيخ إلي لبنان مبعوثاُ للأزهر الشريف للوعظ والتدريس عام 1956 إلي عام 1962 – في الكلية الشرعية ببيروت، ثم زار اليمن ست مرات متقطعة بعد عودته من لبنان، والتقى فيها هناك بمفتي اليمن الشيخ عبدالله زبارة رحمه الله، واشترك معه في عدة حلقات في نور الإسلام في التلفزيون الكويتي .
عاد الشيخ بعدها إلي مصر فأنشأ المعهد الديني الأزهري في بورسعيد عام 1964 م، ثم توجه بعدها إلى الأردن عام 1965 إلي عام 1969 وكان مقره ميناء العقبة الميناء الوحيد بالأردن عاد الشيخ بعدها إلي مصر وعمل مفتش ومراقبا للوعظ في القوات المسلحة، ومحاضراً في الدراسات العليا قسم الحديث في كلية أصول الدين حتى عام 1973 م، ثم مدرساً في كلية الشريعة بالرياض عام 1973 م ثم باحثاُ علمياً في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء إلي عام 1976 م، ثم عمل بعدها مدرساُ في كليتي أصول الدين والحديث النبوي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم عمل رئيساً لقسم الدعوة في وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في الكويت بداية من عام 1979 الذي أنشأ فور تعاقده في الوزارة حتي عام 1985 .
زار الشيخ بعدها باكستان وزار الكليات العلمية الشرعية في كراتشي وبيشاور ولاهور وقابل هناك فضيلة الشيخ الدكتور أحمد العسال رحمه الله الذي كان نائبا لمدير الجامعة الإسلامية العالمية، وزار الشيخ عدة دول أخري كالبحرين وقطر وسافر إلى سوريا فزار دمشق مرتين وحلب وحمص وحماة أثناء عمله في الكلية الشرعية ببيروت
ونكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية