صلاح صيام يكتب: عاش مظلوما ومات وحيدًا
النوبة مسقط رأسه وعشقه، مصدر إلهامه في كل عمل يصدره، يكتب عن أهله ببساطتهم ومشاكلهم ليؤكد أنهم بشر يستحقون حياة كريمة وليسوا عينة تجارب عشوائية مستعدة دائما لخدمة المجهر حتى تفقد العقل والروح.
فشل «إدريس علي» في الحصول علي أي شهادات دراسية طوال حياته ورغم ذلك فهو عضو في اتحاد الكتاب، ونادي القصة، وجمعية الأدباء، ونادي القلم – الفرع المصري و أثرى المكتبة المصرية والعربية بمؤلفات لا يمكن للزمن أن يتجاوزها.
استطاع من خلال قراءاته الحرّة في الآداب العالمية المترجمة والأدب المصري أن يكون واحداً من أدباء مصر العظام، فقد تأثر بنجيب محفوظ ويوسف إدريس والطيب صالح وتوفيق الحكيم ومكسيم جوركي، وديستوفسكي وارنست همنجواي وريتشاردرايت، وجون ثننابيك، بدأ حياته العملية بوظيفة رقيب متطوع بـ القوات المسلحة، وانتهي بوظيفة أمين مكتبة بشركة المقاولون العرب.
أصدر عشرة كتب ما بين القصص والروايات أولها «قصة السرير الواحد – مجلة صباح الخير يناير 1969»، وآخرها رواية «الزعيم يحلق شعره 2009 – دار وعد للنشر» التي أثارت – ومازالت – جدلاً واسعاً منذ صدورها وصودرت جميع نسخها.
ترجمت بعض أعماله الي اللغات الأخرى مثل الانجليزية والفرنسية والإسبانية ونوقشت رسالة ماجستير عن «بنية السرد الروائي» عنده، بينما حصل هو على عدة جوائز منها أفضل رواية صدرت عام 1998 «انفجار جمجمة» من معرض الكتاب، جائزة اتحاد الكتاب للرواية عام 2009 عن رواية «مشاهد من قلب الجحيم» والجائزة الثانية لرواية «اللعب فوق جبال النوبة» من المجلس الأعلى للثقافة «جائزة نجيب محفوظ» وجائزة جامعة أركانسو الأمريكية عن ترجمة لرواية «نقلا» للإنجليزية.
قال عن نفسه: عشت حياة صعبة أقرب إلى المأساة ورغم ذلك أنتجت ابداعاً يفوق الكثيرين من الأدباء الذين عاشوا حياة رغدة، فحياتي كلها عبارة عن سلسلة من الكبوات والعذابات المتواصلة، فقد بدأت العمل في سن العاشرة كصبي مكوجي، وصبي بقال، وعامل غسل زجاجات في معمل أدوية، وعامل تذاكر في سينما وحارس علي بوابة، وهذه الأعمال جميعا أفادتني في ابداعي، ومعظم ما كتبته هو سيرتي الذاتية علي مدي جميع رواياتي وقصصي، رويت فيها ما تعرضت له من الإهانات والجروح النفسية التي لا تندمل بسهولة، وحاولت بالكتابة هزيمة واقعي البائس لأقول للجميع، هأنذا لقد حققت بعض النجاحات واذا أسعفني العمر سيكون هناك المزيد.
وعن عدم حصوله علي أية شهادات دراسية، قال: لا أخجل ابداً من ذلك، فقد فشلت في الحصول علي التعليم ولكني حصلت علي الثقافة عندما دفعني أبي الي الشارع لتعلم العامية المصرية والاحتكاك بالأولاد فأفزعوني، فاخترت ولداً طيباً يهوي قراءة «ارسين لوبين» وصادقته وأدمنت القراءة معه التي شكلت مستقبلي فيما بعد. ويستطرد بعد ذلك:
– أنا إنسان بسيط مسالم جداً، ولكن المشكلة هي التي تأتي إلىَّ حتي إن روايتي الأخيرة أخرجتها بالصدفة البحتة إلى النور فجرت علىَّ المشاكل. لماذا؟ ربما لحظي السيئ، فهذه ليست المرة الأولي التي أتناول فيها تفاصيل حياتي في ليبيا من خلال عمل إبداعي، وأيضا شخصية الرئيسي الليبي.. هذه ثالث رواية عن ليبيا. وما حكايتها؟ – عثرت عليها بالصدفة في أوراق قديمة ومهملة، ولم أعد كتابتها أو أغير فيها واكتشف أنها ضعيفة فنياً، ولم أكن أتمني أن يتم تقييمي من خلال الرواية التي أتناول فيها الفترة التي عملت فيها بليبيا من عام 1976 الي عام 1980، وعاصرت تجربة تطبيق قوانين الكتاب الأخضر والحرب بين مصر وليبيا عام 1977 وقد عانينا نحن المصريين العاملين في ليبيا من جراء هذه الحرب معاناة رهيبة لا استطيع وصفها، وعند وصولي للقاهرة عام 1980 قمت بكتابة مسودة رواية «الزعيم يحلق شعره» ونظراً لأنها تصف الحياة الليبية من الداخل تركتها منسية فترة طويلة لمدة عشرين عاما ولم أعد اليها مطلقاً.
وماذا عن توقيت نشرها؟ – اعتقد أني تحديت القذافي لسبب لا يخطر علي بال أحد وهو انتقامي منه لتسليمه صديقي المناضل السوداني «هاشم العطا» للجزار السوداني – آنذاك – جعفر النميري وكان هذا هو الدافع الأساسي رغم جرائم القذافي الكثيرة.
وصف الساحة الثقافية بأنها منقسمة علي نفسها ليس لها موقف واضح، المعظم يجري وراء مصالحهم الخاصة, وعن إسرائيل قال أنا حاربت وأعرف إسرائيل جيداً وأجزم أن صراعنا معها صراع وجود وليس صراع حدود، ومعاهدة السلام السارية حالياً هي فترة هدنة، إسرائيل تستفيد منها جيداً، فلماذا لا نستفيد نحن أيضا من خلال زيارات «أشخاص» وليس مؤسسات أو هيئات للتعرف علي إسرائيل من الداخل وتكوين فكرة جيدة عنها، وكذلك لا مانع من ترجمة الأدب العبري ولا داعي للجمل الشهيرة التي تحمل الرفض والتقوقع داخل الوطن.
وعن مكانه في الساحة الأدبية قال: في الحقيقة إنني هبطت «بالبراشوت» عليها، ليس لي شلة ولا جماعة ولا حزب يساعدني، ومع ذلك صممت على الاستمرار وسط جيل الستينيات الذين تصدروا الساحة وقاموا بنفي الأجيال التالية لهم، فابتعدت عنهم ولم تشغلني السياسة ولا المظاهرات وأخترت الكتابة على أولئك الذين يجاهدون للبقاء على قيد الحياة.
رحم الله كاتبنا الراحل الذي عاش مظلوما ورحل وحيدا قبل ثمان سنوات.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية