صبحة بغورة تكتب: ترامب ماض في غيّه
أصبح ترامب متحدثا رسميا باسم حكومة الكيان المحتل بعدما ارتقى من حارس الحديقة، وشرطي المدينة! فمن جهة يسعى إلى ترحيل المهاجرين من بلده وطرد المقيمين الأجانب منها، ومن جهة أخرى يريد تهجير شعب من أرضه من أجل الدخلاء والأجانب !!
صحة التمييز وعمق الإدراك نعمة كبيرة لأنهما بمثابة درع الإنسان الواقي لمواجهة قضايا الحياة بكل تبصّر ومسؤولية ودون أخطاء، والسلامة العقلية تمنح المرء القدرة على التفكير الصحيح، فهي الروح التي تضبط حياته في جميع أعماله، وهذه السمات شروطا أساسية يجب توفرها في كل من يتولى مسؤولية إدارة مهام كبرى في المناصب العليا بالدولة، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق برئيس دولة توصف بالكبرى وتعتبر طرفا مؤثرا في السياسة العالمية.
لقد أجاب شرطي المدينة، حارس الحديقة في لقاء صحفي متلفز ردا على سؤال عما يمكنه أن يفعل بعد إعلان رفض مصر والأردن تهجير الفلسطينيين من أرضهم في قطاع غزة والضفة الغربية إلى بلديهما، إذ أكد بكل غرطسة: «سيفعلان، لقد فعلنا الكثير من أجلهما وعليهما فعل ذلك.. إن غزة مثيرة للاهتمام، إنه موقع استثنائي» هكذا قال.
إذن هو يريد أن ينال المقابل من زعمه وقوف الولايات المتحدة مع البلدين! كان من المنتظر أن يذكرنا بالمناسبة بوقفتها التاريخية معهما، أهي خلال نكسة حرب عام 1967 أم خلال حرب أكتوبر 1973 ، مصر لا تمُن على أمريكا بمشاركتها في عملية درع الصحراء عام 1991 في حرب تحرير الكويت، لأنه كان واجبها نحو الشقيق، الواجب الذي يمليه اتفاقية الدفاع العربي المشترك وليس لنصرة أمريكا فليست مصر من تناصر الغريب على القريب أو تغلب كفة الأجنبي على الشقيق.
إن تأكيد شرطي المدينة، حارس الحديقة الأشقر «أنهما سيفعلان» أي مصر والأردن ـ يعطي مؤشرا خبيثا يوحي بسياسة لي الذراع وممارسة الضغوط لإجبار السلطات المصرية والأردنية على الانصياع لأوامره الهوجاء ولسياسته العمياء، وليتها كانت كذلك بل هو انسياق أمريكي كامل الأوصاف من ذوي العيون الزرقاء لدلع الكيان المحتل الذي لا يطيق وجود البلدين العربيين إلى جواره.
والحقيقة أن كل العرب لا يطوقون رؤية هذا الكيان الدخيل وسطهم، ولا يطيقون رؤية حارس الحديقة الأشقر يدس أنفه فيما لا يعنيه، ولعل وقفة تحدي الشعب المصري صباح الجمعة 31 يناير 2025 عند معبر رفح خير دليل على رفض تهديده، وعلى مدى دعم الشعب لموقف سلطات بلاده أمام محاولة إعادة تدوير النماذج السلطوية القديمة وأساليب السيطرة الغاشمة.
لقد سبق أن منحت بريطانيا لشتات اليهود عام 1948 ما لا تملك في فلسطين، منحت الأرض بدون أي وجه حق إلى من لا يستحق، واليوم يريد ترامب أن يواصل نفس النهج القميء ليعيد التاريخ نفسه باستكمال سيناريو مؤامرة الاحتلال الكبرى.
الوضع الآن مختلف تماما، فلن تقرأ الأجيال القادمة أن يكتب التاريخ عن آبائهم ما يخجلون منه، سيكتب أن بواسل الجيش المصري هتفوا بأعلى صوتهم «حالفين لنموت وتعيش مصر» ترامب ماض في تحديه بتجاهل الرفض العلني المتكرر لتهجير الفلسطينيين من أرضهم وتصفية قضيتهم وإحالتها برمتها على الجانب المصري والأردني، ترامب ماض في غيه ولن يسلم من انتقاد خصومه السياسيين ومن غضب شعبه في الداخل الأمريكي الذي لن يقبل التضحية بأبنائه من أجل فرض ظلم رئيسه الأرعن.