نون والقلم

صبحة بغورة تكتب: اللاتماثلية 

يعني التماثل فيما يعنيه درجة تشابه الفواعل، فتكون اللاتماثلية معادلة لا تحكم المعاملة بمنطق التعامل بالمثل، والتحديات اللاتماثلية «اسيمتريك» فتتبلور في شكل تهديدات لا تستند إلى معلم وإنما تبنى على الغموض وعلى عدم إمكانية تحديد هوية الخصوم . 

الأشكال الجديدة للتهديدات الأمنية تفرض تغييرا في مفاهيم الاستراتيجيات الأمنية، فتكون اللاتماثلية في القتال مثلا كنمط معين يستهدف تصفية القيادات هو الأنسب. 

اعتمدت مؤخرا سلطات الاحتلال في مختلف المواجهات بقطاع غزة وفي جنوب لبنان على تطبيق أسلوب مغاير عن أسلوب المواجهات العسكرية التقليدية السابقة بتطبيق نمط يتوافق مع طبيعة القتال مع التنظيمات والفصائل المسلحة التي تتسم حركتها بالخفة والسرعة والمرونة، وتتميز بفورية الانتقال ودقة التمويه وإجادة الاختفاء واستعمال السلاح الخفيف والمؤثر في ذات الوقت. 

في مثل هذه الأوضاع عادة ما تجد الجيوش النظامية صعوبات في التعامل مع عناصر معظمها غير معلومة لأجهزة الأمن ومجهولة لدى الكثيرين تعمل في شكل مجموعات عنقودية صغيرة غالبا يتناسب عددها عكسيا مع نوعية وتطور سلاحها، ويتوافق في نفس الوقت مع طبيعة الهدف المكلفة بمهاجمته، واللاتماثلية هنا تتجسد في مواجهة هذه الفصائل أو الحركات باستهداف قياداتها في عمليات نوعية دقيقة مؤسسة على عمل استخباراتي موثوق. 

والهدف الأساسي منها حرمان أفرع الحركة من العنصر القيادي أو العناصر الموجهة  للعمل المسلح  فتفقدها بذلك محاور السيطرة ومراكز التحكم في الميدان، وهذا النمط  يثير في نفوس عناصر كلا من الطرفين المتحاربين شعورا غير مريح بعدم الأمان فيتبادلون النظر إلى بعضهم بعين الريبة والشك. إنه أسلوب يتطلب الصبر والقدرة على تحمل بعض الخسائر الناتجة عن طول أمد المواجهة التي يمكن أن تدوم شهورا،إذ لو كانت المواجهة بين جيشين نظاميين لحسمت النتيجة لأحدهما في زمن أقل قد لا يتجاوز بضعة أيام. 

يمتد أثر مفهوم اللاتماثلية  إلى إطار العمل الوطني، في مجال العلاقات النقابية مع الحكومات، ونجد صدى ذلك تحديدا في دول جنوب شرق آسيا، إذ تحرص النقابات على تأمين المطالب الاجتماعية والمهنية لعمالها من خلال مراقبة وتقييم ما يصدر من قرارات تعسفية أو اجراءات حكومية مشددة ، وحين تقرر مواجهة ما تعتبره مساسا بهذه المطالب ستعمد تلقائيا إلى التعبير عن معارضتها لسياسات معينة أو لاحتجاجها على أوضاع محددة ، ولكن ليست هذه المشكلة لأن رد فعلها ليس كما هو متوقعا بشن الاضراب عن العمل وتنظيم المسيرات المنددة في الشوارع وإنما بالانتظام في العمل لساعات أطول وبجهد أكبر لإحداث فيض في الانتاج يؤدي إلى إغراق السوق فينخفض سعر السلع المنتجة وينعكس أثر ذلك على انخفاض الإيرادات المحصلة ، أي إلحاق الخسائر المادية بالشركة أو المؤسسة ، ولن يكون بمقدور إدارة الشركة إلحاق الضرر بهم، هذه صورة للمواجهة غير التماثلية حيث لا تتشابه الفواعل. 

يشمل أثر تطبيق اللاتماثلية عالم تصميم الأزياء خاصة بالنسبة للمرأة، فالتصاميم الحديثة لا تراعي التماثل بين جانبي اللباس حيث يكشف أحد الجابين كتف المرأة كاملا بينما يغطى الكتف الآخر، أو أن يكون أحد ساقي السروال الجينز ممزقا عرضيا عند الركبة أو وسط الفخذ بشكل لافت عن الساق الأخرى، كما يمكن أن نشاهد أن أحد جانبي القميص الشفاف منسدل بشكل فوضوي متعمد عند الفتيات محدثا فارقا لا تخطئه العين عن الجانب الآخر، أما تسريحات الشعر الغريبة  لدي الشباب والفتيات فعدم التماثل لامس جانبي الرأس المنطقة الأكثر كشفا وإظهارا له سواء في تباين كثافة الشعر أو مستوى ارتفاعه. 

إذن هل يمكن أن نعتبر عدم التماثل أو اللاتماثلية هي موضة العصر في مجال السياسة وحياة المجتمع ؟ إنه نمط قد لا يكون مناسبا في كل المجالات أو في كافة الأحوال، فالتعامل بالمثل مبدأ أساسي تعمل به الأوساط الدبلوماسية يحفظ للدولة حقها ، ولا مجال هنا للحديث عن اللاتماثلية في العلاقات الدولية لأنها تتضمن تقزيما للمبادئ العليا وهدرا للقيم وإخلالا خطيرا بمكانة الدول ومساسا باحترامها. 

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا 

 

         t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر  لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

زر الذهاب إلى الأعلى