نون والقلم

سومية سعد تكتب: وداعًا لجارة القلوب

رحلت بصمت كما كنت تعيشين، هادئة، طيبة، نقية. غابت ابتسامتك عن الوجوه لكنها سكنت القلوب. كم كنتِ بلسمًا لنا، وحضورك نورًا يخفف ثقل الأيام.

لم تشتكِ ولم تؤذِ أحدا، كنتِ كما نحب أن نكون.. إنسانة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

الحاجة عديلة علي، تلك السيدة المصرية التي تشبه الأرض في قوتها وصلابتها. أرملة بسيطة، اختبرت قسوة الحياة مبكرًا لكنها لم تنحنِ يومًا.

صلبة حملت الحياة على كتفيها بابتسامة ورضا. بعد رحيل ابنتها الوحيدة، لم تنهزم، بل وقفت شامخة واحتضنت حفيدتها الرضيعة كأنها قطعة من قلبها.

لم تنتظر إحسان أحد، ولم تمد يدها يومًا. آمنت أن الكفاح هو الكرامة، وأن العرق هو زينة الجبين. عملت بكل ما تستطيع، وتحدّت الظروف، وكبرت الحفيدة في حضن جدة عظيمة علّمتها أن الحياة لا تُمنح، بل تُنتزع بالإرادة.

لم تدع الحزن يُطفئ نورها، بل أمسكت بإبرة الخياطة وبدأت رحلة كفاح صامتة مليئة بالحب والتضحية. كانت تجلس في ركنها المتواضع تخيط الأقمشة كما لو كانت تنسج الأمل، وتحول خيوط التعب إلى ستر ودفء.

ربّت حفيدتها وعلّمتها وزوجتها واهتمت بزواج أبنائها أيضًا. كانت فخورة بكل خطوة أنجزتها بعرقها وجهدها. وعندما أرهقها العمر وتوقفت عن الخياطة كمهنة، لم تتوقف عن العطاء.

امتلأ قلب الناس بحب الحاجة عديلة لأن حبها لم يكن يومًا لنفسها بل لمن حولها. كانت تمنح بابتسامة، وتبث دفئًا يليق بالأمهات الكبار.

رحلت اليوم لكن سيرتها باقية، تحكيها الأجيال وتُروى كأنها أسطورة حقيقية من تراب مصر الطيب.

وداعًا أيتها الجارة الطيبة

somaya.saad@gmail.com

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى