نون والقلم

سليم نصار يكتب: فنزويلا تقلد لبنان أثناء حكم عون والحص معاً

عقب إعلان تأييد الإدارة الاميركية لرئيس المرحلة الانتقالية في فنزويلا خوان غوايدو، قام وفد من «حزب الله» بزيارة سفارة فنزويلا في بيروت، معلناً عن تأييده للرئيس الحالي نيكولاس مادورو.

وبعد مرور فترة وجيزة توالت برقيات الدعم والاعتراف بشرعية زعيم المعارضة غوايدو الذي أعلن نفسه، أمام حشد من مؤيديه، رئيساً بانتظار إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وكانت حكومة المحافظين البريطانية في طليعة الدول التي تجاوبت مع الموقف الاميركي بحجة أن رئيس «حزب العمال» جيرمي كوربن كان صديقاً للرئيس الراحل هوغو شافيز. وهو رئيس فنزويلا السابق، صديق فيدل كاسترو، ومعين الزعيم الكوبي على توفير الضروريات مقابل تأمين النفط لدولة تخلت عنها موسكو إثر انهيار المنظومة الاشتراكية.

وقد ساهمت في حينه شركة «بي بي إنرجي» اللبنانية في منح كوبا كمية من النفط بما يساوي 14 مليون دولار سددتها هافانا من محاصيل زراعية خلال مدة طويلة.

وبسبب إنحياز زعيم «حزب العمال» البريطاني جيرمي كوربن الى الحركة «الشافيزية» التي أورثت مادورو نفوذ الحزب الاشتراكي الحاكم، شدد وزير خارجية بريطانيا جيرمي هانت موقفه ضد النظام الحاكم في فنزويلا. وقد إتهم مادورو بتزوير الانتخابات الأخيرة (جرت في 20 أيار – مايو)، خصوصاً أنه منع المعارضة من الوصول الى صناديق الاقتراع المطوقة بمحازبيه وأنصاره.

في معظم خطبه أمام الجماهير المؤيدة للتغيير في كاراكاس وسائر المقاطعات، يحرص خوان غوايدو على ذكر الارتكابات التي اقترفها مادورو على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وهو في كل مرة يؤكد للحشود أن فنزويلا يجب أن تكون من أغنى دول العالم وأكثرها رفاهية وبحبوحة. ذلك أن انتاجها من النفط يزيد على مليون ومئتي ألف برميل يومياً. إضافة الى 850 ألف برميل تشتريها خمس مصافي اميركية. والى جانب النفط الغزير الذي تصادر الدولة أمواله، فإن فنزويلا تملك أكبر مناجم للأحجار الكريمة، وللذهب أيضاً. ومع هذا كله فإن نزوح المواطنين بسبب العوز والفاقة والبطالة لا ينقطع عن عبور الحدود المتاخمة لجاراتها مثل كولومبيا والاكوادور والبيرو.

الأمم المتحدة حذرت من مخاطر تسليح ثلاثة ملايين مواطن فنزويلي، هربوا الى كولومبيا خلال السنوات الأربع الماضية. وبما انهم يؤيدون الرئيس خوان غوايدو مثل: الولايات المتحدة وبريطانيا والبرازيل وكندا والأرجنتين، فهم يعلنون عن استعدادهم لمقاتلة خصومهم في الداخل، تماماً مثلما فعل كاسترو ضد نظام باتيستا.

جون بولتون، مستشار الأمن القومي، وزميله وزير الخارجية مايك بومبيو طرحا على الرئيس دونالد ترامب فكرة مهاجمة فنزويلا وطرد الرئيس الحالي وتنصيب الرئيس الانتقالي مكانه. وتؤكد معلومات واشنطن أن غالبية أعضاء الادارة الاميركية رفضت تبني هذا الخيار، محذرة من تكرار الهزائم التي منيت بها تلك المغامرات. ففي بداية عهد الرئيس جون كينيدي، قام المسلحون الكوبيون، اللاجئون في ميامي، بشنّ هجوم بري على الساحل الكوبي بهدف احتلال جزء من الجزيرة يكملون منه تطويق نظام كاسترو. وكانت النتيجة المخزية فشل «عملية خليج الخنازير»، لهذا نصحت الصحف الاميركية بضرورة الإتعاظ من النكسات السابقة في الصومال وأفغانستان والعراق.

مع اشتداد حدة المظاهرات المؤيدة للرئيس الانتقالي خوان غوايدو (35 سنة)، نصحت موسكو حليفها في فنزويلا مادورو بأن يقبل التفاوض مع منافسه. وقد أذيع هذا الخبر صباح يوم الأربعاء الماضي كمتنفس للأزمة المتصاعدة. وكما فعل فلاديمير بوتين مع باراك اوباما خلال أزمة الأسلحة الكيماوية في سورية… هكذا نصح مادورو بعرض طلب التفاوض بغرض كسب فترة زمنية كافية لحلحلة مسألة الحكم المزدوج.

وترى موسكو أن محاولة اغتيال الرئيس نيكولاس مادورو قبل خمسة أشهر تقريباً، بواسطة الـ «درون» – طائرة من دون طيار – ساعدت على إقناعه بأن واشنطن عازمة على اغتياله. والدليل على ذلك أنه كان يلقي خطاباً وطنياً أمام حشد عسكري من أنصاره عندما انفجرت طائرتا «دورن» فوق رؤوس الجموع، ونجا من شظاياها الرئيس وزوجته سيليا بأعجوبة

بين الجاليات التي أقلقتها هذه المنازلة السياسية التي انقسمت دول العالم حولها أطلت الجالية اللبنانية لتدلي بدلوها في مستنقع الأزمة. وكما تعلمت من اختبارات الجاليات اللبنانية الأخرى في دول اميركا اللاتينية، قررت توزيع صفوفها بين الرئيسين.

وتُعتبر الجالية اللبنانية في فنزويلا في مصاف الجاليات الأخرى التي وصلت الى البرازيل والأرجنتين والمكسيك وكولومبيا بين سنتي 1860 – 1880. ولقد لعب أفرادها أدواراً بارزة في ميادين الصناعة والاقتصاد والأعمال. كما انضم بعض آخر الى صفوف الأحزاب المحلية بحيث أصبح لنفوذهم في الدولة دور مؤثر.

والملفت أن أبناء هذه الجالية لم يبتعدوا عن متابعة الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط. والدليل على ذلك أن انفجار الثورة الايرانية قوبل بفتح خمس محطات إذاعة كانت تروج لنظام الملالي. ولم تمضِ فترة قصيرة حتى أنشأت السفارة العراقية ثلاث محطات كانت تبث أخباراً مؤيدة لنظام صدام حسين.

تقدر السفارة اللبنانية في كاراكاس أن عدد أبناء الجالية يزيد على 400 ألف شخص، بينهم 250 ألفاً مسجلين في قوائم القنصلية. والسفير الياس لُبس مهتم بتحييد الجالية عن ساحة النزاع المحلي.

لكن انخراط عدد كبير منهم في صفوف الحزب الاشتراكي في عهد هوغو شافيز فرض عليهم الانحياز الى الرئيس مادورو، بينما منافسيهم في المعارضة يشتركون يومياً في مظاهرات التأييد للرئيس الانتقالي. وهو رئيس دمث الأخلاق، صلب في مواقفه الوطنية، تشبه سحنته سحنة الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما. وهو مثله خطيب مفوّه، لا يتوانى عن إظهار الجروح التي تركها الرصاص المطاطي على رقبته وظهره أثناء انتفاضة 2007.

خلال الأسبوع الماضي، بلغ تأييد الإدارة الاميركية للرئيس الانتقالي حداً غير مسبوق. ذلك أن واشنطن منحته الحق في وضع اليد على أموال فنزويلا المودعة في المصارف الاميركية. وأكثر من هذا فقد سمحت للرئيس المعارض بتعيين قائم بالأعمال يمثله في واشنطن.

مقابل هذه الامتيازات التي رفضها الرئيس مادورو، طلب من المدعي العام طارق وليم صعب (أصله من الشويفات) أن يطلب من الأمم المتحدة فتح تحقيق يتعلق بتدخل الولايات المتحدة في شؤون بلد مستقل.

ويحمل طارق، الى جانب وظيفته كمدعٍ عام، لقب «محامي الشعب»، الأمر الذي أعطاه نفوذاً استثنائياً بالغ الأهمية.

إضافة الى هذا العنصر الاغترابي، انضم الى مجلس النواب في دورته الأخيرة ستة نواب من أصول لبنانية، بينهم: الياس حوا، الذي عمل وزيراً للخارجية في فترة سابقة، وطارق العيسمي، الذي عينه مادورو نائبه لشدة ثقته بولائه وكفاءته، وهو سوري، لكن والدته لبنانية.

كذلك تحمل صفوف المعارضة عدداً من النواب الذين يدعمون الرئيس الانتقالي، بينهم: شهيد بو كرم وبيار مارون والياس متى وجوني رحال.

وبين المغتربين المجلين في عهد هوغو شافيز، بحيث عينه مستشاره الخاص، كان ريمون أبشي من زغرتا.

بقي السؤال المتعلق بازدواجية الحكم وما إذا كانت هذه الحال الشاذة قد مرت بخبرات مماثلة؟!

المغتربون اللبنانيون في فنزويلا يفاخرون بأن بلادهم شهدت مختلف المسرحيات السياسية، بما فيها مسرحية ازدواجية الحكم.

تشير الوقائع أن الرئيس السابق أمين الجميل شكـّل حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون وعضوية سبعة ضباط (22 أيلول – سبتمبر – 1988).

عقب إعلان هذا النبأ، أعلنت الحكومة السابقة برئاسة الدكتور سليم الحص بالوكالة، رفضها الاعتراف بحكومة عون، لكنها ظلت تعمل على تصريف الأعمال.

وبالمقارنة مع ما يجري في فنزويلا، على هامش وجود رئيسين نال كل واحد منهما الشرعية من الكتلة التي تدعمه وتناصره وتتمنى بقاءه… يختصر السؤال الآخر احتمالات قيام الإدارة الاميركية بالدور الذي قامت به سورية في ذلك الوقت. أي إرسال طائراتها الحربية لقصف قصر مادورو وإجباره على الفرار الى كوبا التي ترحب به رئيساً سابقاً…

 كاتب وصحافي لبناني

نقلا عن صحيفة الحياة

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى