سدّ جنة… وسياسة جهنم!
يا لمعاليك من مهندس في التخريجات البارعة، والتوريات الذكية، والكلام المفعم بمرارة السخرية، ايها الوزير الصديق رشيد درباس، وقد أتحفتنا بقراءة البيان الهائل الذي صدر عن جلسة الساعات الثلاث، التي عقدها مجلس الوزراء ليناقش ٦١ بنداً تهمّ الناس، لكنه عَلق في “نَفاس” سد جنة و”دقّ المي مي”.
“دقّ المي مي” لأننا بالكاد خرجنا من الإنتخابات البلدية التي وجهت الإنذرات الى السياسيين والمسؤولين في كل الإتجاهات، مؤكّدة الغيظ والقنوط من الإنهيار المريع الذي أوصلوا لبنان اليه، ولكن ليس هناك على ما بدا وتأكّد في جلسة الحكومة، من يريد ان يحس بأنه لم يعد مقبولاً الإستمرار في تدمير البلد على أيدي حفنة من ممثلي القبائل السياسية يجتمعون في ما هو أدنى ادراكاً من “لويا جيرغا”!
“دقّ المي مي” لأن الفالج السياسي يستحكم بعمل السلطة التنفيذية، فنحن في الواقع أمام ١٢ حكومة إن لم نقل ٢٤ حكومة [في عين الشيطان]، بإعتبار ان كل وزير يرى في نفسه “شقفة” من فخامة الرئيس المغيّب و”شقفة” من حكومة يصلت على رقبتها سيف التعطيل دائماً بحجة الإجماع المستحيل.
قبل أسبوع قال الوزير درباس إن سد جنة سيكون موضوعاً خلافياً وأشعر انهم “يحضّروننا لإجازة صيفية” وهذه قمة السخرية المُتعمدة بإعتبار ان أصحاب المعالي منهكون ويحتاجون الى إجازة، ولأن الكلام عن السد يتدفق سياسياً وبكثير من ضغينة هنا وتربّح هناك، لا نفع من الخبراء لأن ثمن الخبير فرنكان ونحن إخترعنا الشراء والبيع!
والأشنع ان التناقض بين الخبيرين الفرنسي والإلماني، سمح لسياسيين أُميين في الجغرافيا والبيئة والتربة ومرحباً يا خال، ان يقرروا مدى صلاحية الأرض الكلسية لإقامة السدود ويتحدثوا مثلاً عن “كارست” [بنعمة الله] مفترضين انهم بهذا يكرسحون معارضي السد، الذي يجنن الخبراء وليس اللبنانيين الذين سيهربون الى “المرستان”!
فعلاً يا لك من درباس وأنت تقف محيراً السامعين بقولك “كان النقاش تقنياً وفنياً لكن بعض الزملاء قال إن النقاش يخفي وراءه موقفاً سياسياً”. ويا لك وانت تقف مطمئناً الملهوفين بالقول: “استطاع رئيس الحكومة بحنكته وصبره أن يبقي الأمور ضمن السيطرة، والأمر سيكون موضع نقاش جديد بعيداً من التعصب والتحزّب”. لكنك لم تقل لنا كم قَرحة عند تمام بك، ومن يضمن ان تسير الأمور كما تتمنى، وخصوصاً عندما تلطفت وطمأنت اللبنانيين، الى أنه على رغم طول النقاش “لم تغرق الحكومة في سد جنة”.
ما هو أهم من سد جنة، ان يهدينا الله سبحانه وتعالى الى سد جهنمي يوقف هذا الإنهيار الهدّار في وديان السياسة والسياسيين، والى بقية من حياء تساعد البعض على إنشاء سد لوقاحته وغروره وضحكه السخيف على الناس!