![ترامب](/wp-content/uploads/2025/02/WhatsApp-Image-2025-02-13-at-9.03.28-PM-780x470.jpeg)
سامي أبو العز يكتب: قانون دولي ماركة ترامب
في خطوة تعكس نهجًا أمريكيًا متطرفًا لحماية حلفائها من المساءلة القانونية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، في تصعيد غير مسبوق يكرّس مفهوم «البلطجة الدولية» ويضع العالم تحت إدارة منطق القوة بدلاً من سيادة القانون.
هذه العقوبات، التي جاءت بعد المحكمة لمحاسبة إسرائيل على جرائم حرب ارتكبتها في غزة بناءً على قضية تقدمت بها جنوب إفريقيا، ما يكشف حجم الانتهاكات التي تحاول واشنطن التستر عليها.
لطالما كانت المحكمة الجنائية الدولية أداة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، لكنها اليوم تواجه حملة شرسة من قبل واشنطن وحلفائها بسبب محاولتها تحقيق العدالة للفلسطينيين.
القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، وهو اتهام مدعوم بأدلة دامغة تشمل استهداف المدنيين، تدمير البنية التحتية، وفرض حصار خانق يهدد حياة الملايين.
قرار المحكمة بإدانة إسرائيل، حتى لو لم يكن نهائيًا، أثار غضب واشنطن التي سارعت إلى الدفاع عن تل أبيب، ليس فقط سياسيًا، بل عبر استهداف المحكمة نفسها. هذا النهج يثبت أن أمريكا لا ترى العدالة إلا من خلال مصالحها، وأنها مستعدة لتعطيل أي مؤسسة دولية تحاول فرض القانون على حلفائها.
المحكمة الجنائية الدولية حجر الزاوية في ملاحقة الجرائم الخطيرة، مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لكنها باتت تواجه ضغوطًا هائلة، خاصة عندما تقترب تحقيقاتها من دول كبرى مثل الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل.
العقوبات الأمريكية على المدعي العام ليست مجرد انتقاد دبلوماسي أو خلاف سياسي، بل هي هجوم مباشر على استقلالية المحكمة، وتهديد لكل من يسعى لتحقيق العدالة ضد القوى العظمى.
تستخدم واشنطن سلاح العقوبات الاقتصادية والسياسية كأداة للضغط على الجهات التي لا تتماشى مع مصالحها، لكن هذه المرة، تصوب نيرانها نحو مؤسسة دولية من المفترض أن تكون محايدة ومستقلة. هذا السلوك لا ينتهك فقط مبدأ الفصل بين السلطات الدولية، بل يشكك أيضًا في قدرة المجتمع الدولي على فرض القانون على الجميع، دون استثناءات أو حصانات خاصة.
السياسات الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الأولى كانت واضحة في دعمها اللامحدود لإسرائيل، من نقل السفارة إلى القدس، إلى شرعنة المستوطنات، وصولًا إلى التغطية على جرائم الحرب.
واليوم وبعد عودة ترامب تزداد دائرة الدعم وتتسع إلى مالا نهاية، ويأتي فرض العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية كخطوة أخرى لحماية تل أبيب من المحاسبة، وعرقلة أي جهود دولية لمساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها ضد الفلسطينيين.
إذا استمر هذا النهج، فسنكون أمام مشهد دولي جديد حيث تصبح الجرائم المرتكبة ضد الشعوب المستضعفة بلا عقاب، فيما يتم استخدام القانون فقط ضد الدول التي لا تتماشى مع المصالح الأمريكية والغربية.
إن صمت المجتمع الدولي على العقوبات الأمريكية ضد المحكمة الجنائية، وعلى الجرائم الإسرائيلية في غزة، سيؤدي إلى انهيار كامل لمنظومة العدالة الدولية. ولا يمكن للعالم أن يقبل بأن تكون بعض الدول فوق القانون، بينما تتم محاسبة أخرى وفقًا لمعايير مزدوجة.
على الدول والمنظمات الحقوقية أن تتحرك بقوة لدعم المحكمة الجنائية الدولية، والتصدي لمحاولات الترهيب الأمريكية، والعمل على فرض عقوبات ضد إسرائيل على غرار ما تم ضد دول أخرى متورطة في جرائم حرب.
المطلوب اليوم هو انتفاضة عالمية حقيقية لحماية العدالة الدولية، ووقف هذه البلطجة التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، وتمهد الطريق لفوضى قد تصل إلى حد الحرب العالمية الثالثة.
إذا استمرت الولايات المتحدة في تقويض المؤسسات القضائية الدولية، فسيصبح العالم أكثر فوضوية، مما يهدد السلم والأمن الدوليين. فبدلاً من دعم المحكمة لمحاسبة مجرمي الحرب في مناطق النزاع، نجد أنفسنا أمام نموذج جديد من «الحصانة المطلقة» التي تتمتع بها القوى العظمى، مما قد يشجع قوى أخرى على اتباع النهج نفسه، وهو ما يمهد الطريق لصراعات أكبر قد تصل إلى حد المواجهة العالمية.
فرض العقوبات على المحكمة الجنائية لا يمكن فصله عن التوترات الدولية المتزايدة، سواء في أوكرانيا، أو الشرق الأوسط، أو بحر الصين الجنوبي. في عالم تتراجع فيه قوة القانون لصالح منطق القوة، يصبح النزاع المسلح أكثر احتمالًا، خاصة مع تزايد الاستقطاب بين المعسكرات الدولية.
المحكمة الجنائية الدولية كانت أحد الأدوات التي حاولت وضع حدود للقوة العسكرية الجامحة، وعندما يتم تحييدها أو تقويضها، فإن ذلك يفتح الباب أمام الفوضى الدولية، حيث تصبح الدول الكبرى فوق القانون، مما قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب العواقب قد يشعل فتيل حروب جديدة.
باختصار.. العقوبات الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية تمثل اختبارًا حقيقيًا للنظام الدولي. إذا لم يتحرك المجتمع الدولي للدفاع عن المحكمة واستقلاليتها، فإن ذلك سيؤدي إلى تآكل مفهوم العدالة الدولية، وسيفتح الباب أمام عالم تحكمه القوة وحدها.
فهل نشهد قريبًا انهيار منظومة القانون الدولي، ونعيش في عالم بلا محاسبة، حيث تنتصر القوة على الحق؟
لم يعد الصمت خيارًا أمام المجتمع الدولي، فالتغاضي عن هذه الخطوة الأمريكية يشكل سابقة خطيرة تهدد مستقبل العدالة الدولية، وتمنح القوى الكبرى ضوءًا أخضر للإفلات من العقاب. على الدول والمنظمات الحقوقية أن تتحرك بشكل عاجل لوقف هذا الجنون السياسي الذي قد يدفع العالم إلى حافة الهاوية.