سامي أبو العز يكتب: سياسة الاقتصاد الأسود في غزة
منذ أن بدأ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ظل الوضع في غزة نموذجًا صارخًا لتعقيد العلاقات السياسية والميدانية، حيث يتداخل فيه الصراع العسكري مع المصالح السياسية والإقليمية.
وفي هذا السياق، تتكرر مشاهد خرق الهدنة بين الأطراف المتنازعة، ما يثير تساؤلات حول الأطراف المستفيدة من استمرار التصعيد، ومن يقف وراء تعثر فرص السلام.
الهدن التي تُبرم بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل غالبًا ما تكون مؤقتة وهشة.
وعلى الرغم من أنها تمنح بعض الوقت للمدنيين لالتقاط أنفاسهم، إلا أن الخروقات المتكررة تُفشل الجهود الدبلوماسية.
هنا، يظهر السؤال: من الذي يستفيد من إبقاء غزة في حالة غليان دائم؟
بالنسبة لبعض الأجنحة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، تُعتبر التصعيدات فرصة لتبرير استخدام القوة وتعزيز النفوذ السياسي داخليًا. يظهر هذا في حملات الضغط الداخلية، حيث يُستخدم ملف الأمن كذريعة لزيادة الدعم الحكومي والتأثير على الرأي العام.
بعض الفصائل الفلسطينية ترى في التصعيد وسيلة لاستمرار حالة المقاومة، والحفاظ على شرعيتها أمام الشعب الفلسطيني. في ظل الحصار والوضع الاقتصادي المتدهور، ويلعب التصعيد دورًا في إرسال رسائل سياسية إلى إسرائيل والمجتمع الدولي.
الصراع في غزة ليس محليًا فقط، بل يتأثر بمصالح قوى إقليمية تسعى لاستخدامه كورقة ضغط في صراعاتها الخاصة. إيران، على سبيل المثال، تدعم بعض الفصائل في غزة كوسيلة للتأثير على إسرائيل والمشهد السياسي في المنطقة.
مع كل تصعيد، تنشط شبكات التهريب وسوق السلاح، حيث تستفيد جهات غير رسمية من استمرار النزاع. تتحول الهدنة إلى تهديد لمصالح هذه الجهات التي تزدهر أعمالها في ظل الحروب والأزمات.
في نهاية المطاف، يدفع المدنيون الفلسطينيون والإسرائيليون ثمن هذه الحسابات المعقدة. غزة، التي تواجه حصارًا خانقًا منذ سنوات، تعاني من انعدام الخدمات الأساسية ونقص الموارد، ما يجعل الهدنة بالنسبة للمدنيين فرصة لتخفيف المعاناة اليومية، ولكن استمرار خرقها يفاقم من مأساة الحياة في القطاع.
يجب تعزيز آليات مراقبة الهدنة وأن تلعب المنظمات الدولية دورًا أكبر في مراقبة التزام الأطراف ببنود التهدئة.
لا بد من اتخاذ خطوات واضحة ضد المعرقلين وضد الأطراف التي تثبت مسؤوليتها عن خرق الهدنة.
والأهم هو وجود حلول جذرية للصراع، فلا يمكن للهدن المؤقتة أن تكون بديلاً عن حلول دائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
الهدنة ليست سوى وسيلة لتخفيف الأزمات الإنسانية، لكنها ستظل بلا جدوى ما لم تُعالج جذور الصراع وتُحاسب الأطراف التي تستفيد من استمرار الدمار.
باختصار.. تشكل الهدنة في غزة نافذة أمل نحو تخفيف المعاناة الإنسانية ووقف التصعيد العسكري. ومع ذلك، فإنها لا يمكن أن تكون الهدف النهائي، بل يجب أن تكون نقطة انطلاق نحو حل سياسي شامل يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية.
إقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانب إسرائيل على أساس حدود عام 1967، مع القدس الشرقية عاصمة لها، هو الطريق الأكثر واقعية لتحقيق السلام. ولتحويل الهدنة إلى حل دائم، لإنهاء دوامة العنف وفتح الباب أمام مستقبل مستقر لشعوب المنطقة.