
سامي أبو العز يكتب: حروب التضليل الإعلامي
في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة معركة شرسة، لا تقل خطورة عن الحروب التقليدية.
لم يعد القتال يقتصر على الدبابات والصواريخ، بل باتت العقول هي الهدف الأول، حيث يتم تشكيل الرأي العام، وصناعة الأعداء، وإعادة رسم الخرائط السياسية عبر موجات متتالية من التضليل الإعلامي والدعاية الرقمية.
اليوم، نشهد استخدامًا مكثفًا لهذه الحروب من قبل قوى عالمية كبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، في صراعاتها السياسية والعسكرية، بدءًا من الانتخابات الأمريكية وصولًا إلى الإبادة الجماعية في غزة.
تُدار حروب السوشيال ميديا، عبر أدوات متعددة تُستخدم لتحقيق أهداف محددة، من أبرزها:
* اللجان الإلكترونية والذباب الإلكتروني: يتم تشغيل آلاف الحسابات المزيفة والحقيقية لنشر روايات معينة، سواء لدعم سياسيين مثل ترامب ونتنياهو أو لتبرير جرائم الحرب ضد الفلسطينيين.
* التزييف العميق والتلاعب بالفيديوهات: تُستخدم هذه التقنيات لتغيير سردية الأحداث، كما رأينا في محاولات تبرير العدوان على غزة وشيطنة المقاومة الفلسطينية.
* الهجمات السيبرانية وتسريبات المعلومات: تُستخدم لاختراق الخصوم وتشويه صورتهم، سواء في الصراع الأمريكي الداخلي بين الجمهوريين والديمقراطيين، أو في المواجهة مع قوى عالمية أخرى.
* التضليل عبر الإعلام التقليدي والموجه: يتم تضخيم صورة «المارد الأمريكي» كقوة لا تُهزم، في محاولة لفرض الهيمنة وإرهاب الخصوم، في حين تُمارس ضغوط غير مسبوقة على الدول العربية لقبول الغزيين كلاجئين، ضمن مخطط لتصفية القضية الفلسطينية.
يستخدم كل من دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح رئيسي في معركتهما السياسية. فترامب، يحرّك جيوشًا إلكترونية لنشر روايات عن «انتصار أمريكا العظيم» وشيطنة خصومه، بينما يواجه نتنياهو ضغوطًا داخلية وخارجية بسبب فشله العسكري في غزة، فيعتمد على الدعاية الرقمية لإظهار نفسه كقائد لا يزال مسيطرًا.
منذ بدء العدوان على غزة، تم توظيف منصات التواصل لنشر الأكاذيب حول طبيعة الحرب، وتبرير المجازر، وقلب الحقائق. في الوقت نفسه، تُمارَس ضغوط هائلة على الدول العربية لفرض الغزيين كلاجئين بالقوة، في خطوة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بالكامل. يتم تضخيم هذه السردية إعلاميًا، بينما تتعرض الأصوات الداعمة للفلسطينيين للقمع الرقمي، عبر حذف المحتوى أو حظر الحسابات الناشطة.
في سياق هذه الحرب الرقمية، تعمل الدعاية الأمريكية على تصوير واشنطن كقوة لا تُقهر، قادرة على فرض إرادتها على العالم.
هذا التضخيم لا يهدف فقط إلى تعزيز النفوذ الأمريكي، بل أيضًا إلى إرسال رسائل تهديد للدول التي تحاول الخروج عن الهيمنة الغربية، وإجبارها على تبني السياسات الأمريكية في قضايا مثل التطبيع واللاجئين الفلسطينيين.
كيف نواجه هذه الحروب؟
* تعزيز الوعي الإعلامي: يجب أن يكون لدى الأفراد القدرة على التحقق من المعلومات وعدم الانسياق وراء الروايات المضللة.
* دعم الإعلام الحر والمستقل: كونه السلاح الوحيد القادر على مواجهة الأكاذيب المنظمة.
* الضغط على منصات التواصل: لمساءلتها بشأن سياسات حذف المحتوى وتحيّزها في تغطية الأحداث.
* التكاتف العربي والدولي: لمواجهة الاستراتيجيات التي تستهدف طمس الحقوق الفلسطينية وتضليل الرأي العام العالمي.
باختصار.. لم تعد الحروب تُخاض في ميادين القتال فقط، بل أصبحت العقول ساحة رئيسية للصراع. وما نشهده اليوم من حملات تضليل ممنهجة، سواء لدعم مشاريع ترامب ونتنياهو أو لتبرير الإبادة في غزة، يُثبت أن السوشيال ميديا ليست مجرد أداة تواصل، بل سلاح يستخدم في إعادة تشكيل العالم وفقًا لمصالح القوى الكبرى.