
سامي أبو العز يكتب: الحقائب الوزارية سر الأزمة الاقتصادية
في الوقت الذي تمضي فيه حكومات الدول الأوروبية والمتقدمة في مسارات واضحة لضبط الإنفاق العام وتقليص عدد الوزارات، تستمر الحكومات المصرية المتعاقبة في الحفاظ على عدد كبير من الحقائب الوزارية، بل وتزيدها أحيانًا، وسط أزمة اقتصادية خانقة وديون متراكمة تثقل كاهل الدولة والمواطنين.
تلجأ الدول الأوروبية إلى تقليص عدد الحقائب الوزارية، في إطار خططها المستمرة لخفض النفقات وتحقيق كفاءة إدارية.
في السويد، لا يتجاوز عدد الوزارات 23 وزارة، بينما لا يزيد العدد في ألمانيا عن 16 وزارة، وفي هولندا يبلغ عدد الحقائب 12 فقط، مع دمج القطاعات المتقاربة ضمن وزارات كبرى، تعتمد على الكفاءة والخبرة لا على التوزيع السياسي أو الإداري.
هذه الدول، رغم ثرائها واستقرارها، لا تتوانى عن ترشيد جهازها التنفيذي، باعتباره جزءًا من المسؤولية تجاه دافعي الضرائب، ومقدمة لأي إصلاح اقتصادي حقيقي.
شهدت الحكومات المصرية منذ قيام ثورة يوليو 1952 تغيرات متكررة، لكن الخط العام ظل ثابتًا من خلال عدد كبير من الوزارات، وتوسع في الحقائب.
في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، تراوح عدد الوزارات بين 27 إلى 31 وزارة، ومع كل تعديل وزاري، كان يزداد عدد الحقائب، دون دمج حقيقي أو إعادة هيكلة فعّالة.
وجاءت حكومة الدكتور مصطفى مدبولي الأولى (2018) بـ33 وزارة، لتتقلص في حكومته الثانية (2024) إلى 31 حقيبة وزارية، في وقت يعيش فيه المواطن المصري أزمات اقتصادية حادة، وارتفاعًا في الأسعار، وتراجعًا في القوة الشرائية، تحت شعار «الإصلاح الاقتصادي».
في الوقت الذي تجاوز فيه الدين الخارجي المصري 165 مليار دولار، بحسب تقارير رسمية ودولية، تواصل الحكومة إنفاقها بسخاء على الجهاز التنفيذي، دون بوادر حقيقية لخفض النفقات.
الوزراء في مصر يتمتعون بامتيازات ضخمة، تشمل رواتب مرتفعة، وسيارات فارهة، وحراسات خاصة، وسكن حكومي، وبدلات سفر، وغيرها من النفقات التي تستنزف الخزانة العامة، بينما يُطلب من المواطن التحمل.
يؤكد خبراء الإدارة العامة أن إعادة هيكلة الحكومة المصرية ضرورة حتمية، تبدأ بدمج بعض الوزارات المتشابهة في المهام والاختصاص، مثل وزارتي التعليم والتعليم العالي، أو الثقافة والإعلام، أو التجارة والصناعة، وهو ما قد يسهم في توفير مليارات الجنيهات سنويًا، ويزيد من كفاءة الأداء والشفافية.
يتساءل الشارع المصري، المرهق من الغلاء والضرائب والرسوم، عن السبب وراء تمسك الحكومة بعدد كبير من الوزراء، في وقت تدعو فيه المواطنين إلى «الصبر» و«شد الحزام». فهل آن الأوان لأن تعطي الحكومة مثالاً حقيقيًا على التقشف من داخلها؟ أم أن رفاهية المسؤول تظل «خطاً أحمر» حتى في زمن الأزمات؟