أمريكا التي حرقت العالم ودمرت ونهبت وسلبت ووصلت يدها لأدنى بقاع الأرض، وغزت جيوشها القارات ونفذ سلطانها بأعالي البحار والمحيطات، وامتدت إمبراطوريتها من الأرض إلى الفضاء، أحرقتها ورقة واحدة بـ«20 دولار» فقط!!
احترقت أمريكا وخرج الملايين إلى الشوارع في كافة الولايات، واشتعلت النيران في المراكز التجارية والمحلات، بعدما تعرضت للنهب والسلب والتدمير.. نعم 20 دولار كانت كافية لإحراق أمريكا التي أحرقت العالم وشاركت وخططت للربيع العربي، الذي فتت العديد من الدول العربية وحولها إلى بحور دماء واشلاء موتى إلا من رحم ربي!!
المواطن الامريكي جورج فلويد، ذات الأصول الأفريقية دفع لصاحب متجر 20 دولار- ربما كانت كل ما يملك.. أو أنها مكثت في حافظته طويلًا- المهم أنه طرأ عليها تغيرا جعل صاحب المتجر يتوجس خيفة ويبادر بإبلاغ الشرطة بأن هناك من أعطاه أموالًا مزورة.
الأمر حتى هذه اللحظة عادي جدًا ومقبول، إلا أن ضابط الشرطة «أبيض البشرة» الذي ألقى القبض على «فلويد» خنقه بركبته بعد طرحه أرضًا، ولم يرضخ لتوسلاته وصرخات شهود العيان بأنه يختنق وحدثت الكارثة.
مات جورج فلويد «أسود البشرة» خنقا تحت ركبة شرطي «أبيض البشرة» وهو يصرخ «أرجوك لا أستطيع أن أتنفس»، وكانت الشرارة التي أشعلت أكبر دولة، وخرجت المظاهرات في العديد من دول العالم تؤيد المظاهرات الأمريكية وتندد بما حدث.
المفارقة العجيبة في الأمر أنه اتضح أن الورقة فئة العشرين دولار سليمة وغير مزيفة، وأن الأمر لم يكن يستدعى كل هذا التطور والسرعة لو كان صاحب المتجر يعي جيدا الفرق بين الأوراق المالية السليمة والأخرى المزيفة، أو أن ضابط الشرطة المتعجل بالحكم على المواطن الأمريكي – بناء على لون بشرته- قد تريث قليلًا لكانا جنبا أمريكا كارثة لا يعلم مداها إلا الله.
أمريكا الأكبر اقتصاديًا وعسكريًا في العالم والتي حصلت على كل الألقاب التي تعني القوة والثروة والجاه.. أمريكا التي ثبتت عروش جبابرة وقهرت شعوب وجيوش وأنهت إمبراطوريات ودول لا تتوافق معها.. أمريكا التي تحولت إلى شرطي للعالم أجمع، استطاع غباء شرطي أمريكي واحد أن يوقد الغضب المكتوم داخل الصدور ويُشعل ثورة «الربيع الأمريكي» التي باتت تأكل الأخضر واليابس.
أمريكا التي امتدت يدها الطولى لتعبث في كل دول العالم بالزور والبهتان مستخدمة القوة الغاشمة في تحقيق أغراضها، لم يسلم من سمومها أحدا ، فالعراق وسوريا وليبيا وباكستان وأفغانستان وحتى الاتحاد السوفيتي وغيرها من الدول سوف تبقى شاهدًا على جبروت الحكام الأمريكيين الذين أثبتت الأيام أنهم رعاة الشر في العالم، فنهبوا التريليونات وخيرات الأرض وخزائن الملوك والرؤساء، ثم أشعلوا المنطقة العربية ببارود «الربيع العربي»، فحولت الوطن إلى أشلاء ومزقت الخريطة التي باتت مهلهلة، وتحولت إلى ما يشبه ورقة التوت، ولم تكتف بذلك بل فرقت الإخوة وفرضت الإتاوات تحت مسمي الحماية.
أمريكا -الهشة المخوخة- صاحبة كل هذا الجبروت وهذه القوة الجبارة والتي تحكمت في تاريخ العالم هزمتها ورقة واحدة من فئة الـ 20 دولار!!
ملايين الأمريكيين الرافضين لـ العنصرية افترشوا الشوارع والتحفوا السماء ولن يعودوا إلى منازلهم قبل كتابة فجر أمريكي جديد، ربما أعاد السكينة والهدوء للعالم، أو كان بداية لظهور قوى شر بديلة.. تبقى أمريكا أو تزول، لكن ستبقى ورقة الـ 20 دولار شاهدًا على أن جبال الظلم والجبروت والدول البوليسية تنتهي في لحظة بدون مقدمات.
همسة.. شجرة واحدة تصنع ملايين الثقاب.. لكن عود ثقاب واحد يحرق ملايين الأشجار.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية