نون – الجزائر
استضافت جامعة محمد بوضياف المسيلة النّدوة العلميّة الوطنيّة بعنوان «الرّواية الجزائريّة والكتابة السير ذاتيّة» التي نظّمها مخبر الشّعريّة الجزائريّة بالتّنسيق مع كليّة الآداب واللّغات. وقد تضمّن افتتاح المؤتمر كلمة لكلّ من: الدكتور عبد الرحمان بن يطو، وكلمة مدير المخبر الأستاذ الدكتور فتحي بوخالفة، وكلمة عميد الكلية الأستاذ الدكتور عمار بن لقريشي، وكلمة رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور كمال بداري.
وقد قدّمت الباحثة الجزائريّة صبرينة جعفر ورقة بحثيّة بعنوان المغامرة الجماليّة للنص الروائيّ السيرذاتي النسويّ بين الإبداع والخصوصية: السّقوط في الشّمس/ وأعشقني « لسناء الشعلان »، وذلك في انطلاقاً من محوري المؤتمر: الرّواية العربيّة السيرذاتيّة من منظور الكتابة النسويّة ،وفنيّات الكتابة السّيرذاتية في الرّواية العربية المعاصرة.
وقد قالت في مقدّمة بحثها: «تعدّ الرّواية من أكثر الفنون الإبداعية استجابة للتشكيل السّيرذاتيّ، وذلك لوجود تقارب كبير بينهما من حيث التّشكيل، فنجد الروائيّ يمرر الكثير من سيرته الذاتية ليبني عالمه الروائي المتخيل. المرأة الأديبة المبدعة حاضرة وبقوة في هذا المجال ولها ما يميّزها عن كتابات غيرها، الرّوائيّة المتألقة « سناء الشعلان » في روايتيها «السقوط في الشمس» و «أعشقني» تبرز لنا الجانب السّيرذاتي لها موظفة كل الأدوات الإجرائيّة الكفيلة لضمان ظهور عالمها الخاص بأحلى حلة. وجاء بحثي هذا بعنوان المغامرة الجمالية للنّص الروائيّ السّيرذاتيّ بين الإبداع والخصوصية».
كما قالت في معرض ورقتها البحثيّة: «إنّ حديثنا عن الحقيقة في العمل الروائي، تعني به الصدق الفني فيها، وهذا نابع من كون العمل يندرج ضمن السيرة الذاتية فله النصيب الكبير من الحضور، وهذا يولد ثقة بين المرسل (الكاتبة) والمرسل إليه (القارئ) ويكسب النص قيمة الحقيقة، وحضوره ليس بالمطلق “فالصدق الخالق أمر يلحق بالمستحيل والحقيقة الذاتية أمر نسبي مما يخلص صاحبها في نقلها على حالها ولأن كان الصدق في السيرة الذاتية محاولة لا أمرا محققاً».
وعنصر الخيال يتولد حتميا بفعل السرد والقص وهذا من خلال تحريك عجلة الذاكرة، تحفيزها على هذا الفعل ولكي يهرب العمل من رتابة السرد يحلق الكاتب إلى الخيال المجنح ليصبغ عمله بلمسة فنية جمالية.
في الروايتين المدروستين تجلت ملامح الخيال بطريقة جميلة مما أضفى على الروايتين الطابع الغرائبي، وهذا الاختيار نابع عن الكاتبة التي رأت فيه الوسيلة المثلى لتمثيل عوالمها الأدبية.
كما ذكرت في معرض حديثها عن الرّواية في رواية سناء الشّعلان: «من هو الراوي؟ إنه الشخص الذي يروي الحكاية، وبكلامه أكثر دقة فهو الصوت غير المسموع الذي يقوم بتفصيل مادة الرّواية إلى المتلقي».
نجد الكاتبة في روايتها (السقوط في الشمس) قد اعتمدت على الاسترجاع لتعود إلى مرحلة الطفولة التي كانت مصدرا مغذيا لعالمها الروائي السير ذاتي «حيث تعد مرحلة الطفولة في أية سيرة ذاتية أو مشروع كتاب سيرذاتي منبعا مركزيا وجوهريا للتشكيل والصيرورة…فهي المنطقة الخصبة الأكثر تركيزا التي لا يمكن لأي حالة استذكار أن نتفاداها لذا ظلت منطقة أثرة وثرية في العالم الإبداعي للمبدع».
والروائية قد أجادت في اختيار الطريقة للاسترجاع فكانت (محطة القطار) هي النقطة التي انطلقت منها في سردها لعالمها السير ذاتي حيث حركت هذه الأخيرة ذاكرتها للرجوع إلى الخلف مدة 6 سنوات لتحيي ما خبئ في ذاكرتها، فاختيار الكاتبة للقطار دلالة رمزية إلى السفر والتنقل، فهذا الفعل يحاكي فعل الذاكرة عندما تبدأ في الاسترجاع، فالأحداث تتموقع عبر محطات وعبر أزمة، فتتم العودة إلى الماضي الممل لدى الروائية.
… وطريقة الاسترجاع تتلاءم مع السرد النسوي أكثر من الاستباق ذلك أن السلطة التي تحاصر الأنثى تأتي بركائزها من الماضي والماضي هو النقطة التي تعلم بها تقنية الاسترجاع ومن توابع هذا الاسترجاع (الحديث النفسي) أو ما يسمى (الحوار الداخلي) فالماضي في حقيقته غير قابل للعودة بحال من الأحوال، لكن القابل بها هو (الاستعادة السردية) التي تسكن المخيلة، ثم تمزج في بنية صياغية تعتمد الفعل الماضي المعبأ بالذكريات الغائية.
الروائية سناء الشعلان، كانت على قدر كبير من الوعي والذكاء في اختيار الرؤية التي من خلالها تبني عالمها الروائي السيرذاتي، فكانت تقنية التبئير الداخلي هي الحاضرة بقوة حيث «يلمس من خلال كون رؤية الراوي داخلية تضفي انطباعات الراوي ووجهة نظره على الأحداث والشخصيات والراوي هنا أحد شخوص الرّواية يقدم ما يشاهد من أحداث ترتبط به ويكون شاهدا عليها وحتى هذه الرؤية الداخلية و هنا الراوي بالراوي المشارك أو المصاحب…وهو يستعين بضمير المتكلم (أنا) عند عرضه لعالم ضمن الرّواية».
فنجد في رواية (سقوط في الشمس) تروي الروائية الرّواية على لسان البطلة (شمس) وفي (أعشقني) على لسان البطل (باسل)، فنجد أن الرؤية الداخلية عمل قدر «من الانحياز والتعاطف في وصف العالم الفني المتخلق في الرّواية….وقد اصطلح على الأسلوب السردي الذي يعتمد على هذه الطريقة والراوي المشارك بـ(السرد الذاتي)».
هذه الرؤية الداخلية جعلت القارئ (المتلقي) يدخل في لعبة ضبابية المعنى في الرّواية فمن جهة يشعر أنها سيرة ذاتية ومن جهة فهي رواية، فالقاصة أجادت اللعب الفني في روايتها عبر هذه الرؤية.
ونجد تقنية الاستباق حاضرا في رواية «أعشقني» فهو إحدى تجليات المفارقات الزمنية على مستوى نظام الزمن عملية سردية تتمثل إيراد حدث آت أو الإشارة إليه مستقبلا وهذه العملية تسمى في النقد التقليدي سبق الأحداث. تجسد الاستباق في شخصية الضابط سعادة (فيقوم بتنبوءات عن قراءة الفنجان الطالع والتنجيم).
وهكذا راحت الروائية سناء شعلان تنسج عالمها الروائي السرذاتي عاكسة هدفها وأحلامها وطموحاتها، وخير ما أختم به بحثي مقولة لأديبتنا عندما سئلت (إلى ما تحتاج المرأة الأديبة كي تحقق خطوات متقدمة في مجال الكتابة؟ فجاءت الإجابة قمة في النقاء والإخلاص والوفاء والحب والإنسانية.
«تحتاج إلى أن تخلص لموهبتها فتؤمن بنفسها ابتداء، وتحدد أولوياتها ورسالتها من الكتابة وتطلع على كل جديد، وتسلح نفسها بالثقافة والعلم والإيمان والقيم كي تكون حلقة جديدة في حلقات البناء والإعمار، لا مجرد عزف منفرد نشاز خارج الجوقة، أو بوق مقلد، أو عصا من عصي الشيطان وثغرة من ثغرات التي يلج منها العدو من أجل الفتك بهذه الأمة المستهدفة في الوقت الحاضر من قوى الظلام والظلال».
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية