نون لايت

روائع شعرية وطرب أصيل في رابع حلقات «أمير الشعراء»

نون أبوظبي   

من أمسية ضجّت بالشعر العالي وبالطّرب الأصيل، ومن مسرح «شاطئ الراحة» بأبوظبي؛ انطلقت في تمام الساعة العاشرة أحداث رابع حلقات البث المباشر من برنامج «أمير الشعراء» بموسمه الثامن، والذي تنتجه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي.

وبحضور عيسى سيف المزروعي، نائب رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، وسلطان العميمي مدير أكاديمية الشعر، وعدد من الدبلوماسيين والأدباء والنقاد والشعراء الذين جاءوا مشجعين للمبدعين الذين تنافسوا فيما بينهم، من خلال ما قدموا من روائع شعرية خلال الحلقة؛ أعلنت مقدمة الموسم لجين عمران عن اسمي الشاعرين اللذين تأهّلا عن الحلقة الثالثة بعد جمع نتيجة تصويت المتابعين مع درجات لجنة التحكيم.

إلى المرحلة الثانية.. شيخة المطيري بـ73، وعلي حسن بـ55 درجة

فتمكنت الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري من تخطي هذه المرحلة بفضل درجاتها التي وصلت إلى 73 درجة، متجاوزة بذلك درجات زميلها الشاعر البحريني علي حسن إبراهيم سلمان الذي تأهل أيضاً إلى المرحلة الثانية بعد حصوله على 55 درجة، وليضمن كلاهما بتلك النتيجة الانتقال إلى المرحلة الثانية من المسابقة والانضمام بالتالي إلى من سبقهم من الشعراء، فيما خرجت من المنافسة الشاعرة التونسية أماني الزعيبي بـ47 درجة.

«عشق الإمارات» بصوت النعيمي

والمسابقة التي تبثها قناتا «الإمارات” وبينونة»؛ استضافت ليلة أمس الفنان الإماراتي عبدالله المستريح النعيمي الذي أمتع الجمهور سواء داخل مسرح شاطئ الراحة أو خارجه؛ بما شدا به من كلمات معالي د. المهندس عبدالله بلحيف النعيمي وزير تطوير البنية التحتية رئيس مجلس إدارة الهيئة الاتحادية للمواصلات البرية والبحرية.

فغنى عبدالله قصيدة (عشق الإمارات) التي سبق ولحنها ووزعها المايسترو أمير عبد المجيد، وأنتجتها منطقة« TwoFour54» الإعلامية، وقال النعيمي في مطلع القصيدة التي غناها:

يزيد الشوق والأحلام تربو           وحبٌّ في فؤاديَ كم يَلِبُّ

فعشقكِ يا إماراتُ دفينٌ               ولا يرضى بديلاً عنكِ قربُ

بنينا فيكِ للأمجادِ درباً                بِهِ يَلقى العِدَا قهراً يُصبُّ

وعشقكِ يا إماراتُ ضياءٌ             كأنَّ بقربِهِ الأنوار تَصبو

لنا في كلِّ مَوقِعةٍ منارٌ               تسير بِهَديِهَا أممٌ وشعب

وعشقكُ يا إماراتُ رداءٌ            يُزمِّلُ من يريد ولا يجِبُّ

بكِ الملهوفُ يَلقى راحَ بالٍ         ويَنشدكِ الشّريدُ ويَستَتبُّ

وعشقكِ يا إماراتُ جمالٌ            تعانِقُه القلوبُ ويستحبُّ

وختم بقوله:

نحبُّكِ مُخلصينَ بلا رياءٍ             فَدونَ القلبِ قد أصبحتِ قلبُ

المجاراة بين روضة الحاج وبتول آل علي تفيض حباً

في فقرة المجاراة بين الشعرين الفصيح والنبطي، استضاف برنامج «أمير الشعراء» ليلة أمس الشاعرة السودانية روضة الحاج، والتي سبق لها أن شاركت في برنامج أمير الشعراء، والشاعرة الإماراتية بتول آل علي، والتي شاركت في برنامج «شاعر المليون» وتألقت فيه.

وفي بداية المجاراة؛ ألقت آل علي قصيدتها، ومما جاء في أبيات المطلع:

لأني ما عرفت إنسان فاني                  ويحيا عيشةٍ حلوة رغيده

ولكن طفت بأوطانٍ تعاني                  يكيد الخوف ف احشاها مكيده

إلين أطلقت في سيح المعاني               حروف الدمع آرامٍ شريده

وأشرق في الحشا موطن حماني          ولاجل أحيا دفن بذرة شهيده

ويبقى بالشكر يلهج لساني                على أمن اسألوا عنه فقيده

ثم ألقت الحاج قصيدتها والتي جاء في أبياتها الأولى:

بتول الشوق هل تجزي القصيدة            إذا جاز الجوى قسراً حدوده

وهل رعي المعاني نافراتٍ                 بأفلاء القصيد عنى خلوده

وهل مثلي الشواعر أم تراني               أنا وحيدة التي ساكنت بيده

أهدهد ساهر الكلمات حتى                 يفيق الكون يسمعنا نشيده

نظل الليل نهدم ثم نبني                     لنهدم ما بنينا كي نشيده

عبدالسلام حاج نجيب يتميّز.. والتحكيم يمنحه 47 درجة

وعبر قناتي «الإمارات وبينونة»؛ تابع جمهور الشعر العربي الشعراء الأربعة الذين تنافسوا خلال حلقة أمس، وهم أحمد محمد عسيري من السعودية، وعبدالسلام حاج نجيب من سوريا، وهبة الفقي من مصر، ويارا الحجاوي من الأردن. فقدم الشعراء قصائدهم أمام أعضاء لجنة التحكيم المؤلفة من الدكتور علي بن تميم، الدكتور صلاح فضل، والدكتور عبدالملك مرتاض. وكانت النتيجة لصالح الشاعر السوري عبدالسلام حاج نجيب، والذي قدّم نصاً حاز على أعلى درجات لجنة التحكيم، إذ منحته اللجنة 47 درجة، تلته الفقي بـ45 درجة، ثم عسيري بـ43 درجة، والحجاوي بـ41 درجة.

وفيما تأهل عبدالسلام إلى المرحلة الثانية من المسابقة؛ كان على بقية الشعراء بدء رحلتهم مع مرحلة الانتظار التي تستمر أسبوعاً من التصويت، بعدها يتمّ الإعلان عن انتقال الشاعرين اللذين سيتمكنان من الحصول على أعلى درجتين تؤهّلهما للانضمام إلى زملائهما الذين تأهلوا إلى المرحلة الثانية خلال الحلقات الأربع.

«شاطئ مقمر» لـ أحمد عسيري

أول الشعراء الذين ألقوا قصائدهم ليلة أمس على المسرح كان أحمد محمد عسيري، فقدم قصيدته (على كرسي شاطئ مقمر)، والتي وجدها د. صلاح فضل متميزة. فقال إنه استمع إلى قصيدة رصينة تنتمي للسلسلة الذهبية من الشعر الرومانسي الجميل. حيث الإنسان الشاعر وعالمه الزاخر في لقاء مع الطبعية هادئةً كانت أم عاصفة. وفي الأبيات الأولى للنص جاء:

يا بحرُ؛ شعري تِعلّاتي وسُمّاري                مرسى شجوني ومِجدافي وإبحاري

ما بينَ شطرينِ يأوي همسُ مُلهمتي            وينتشي والِهاً في شَدوِ أشعاري

شطرٌ يُغنّي على أعتابِ بهجتهِ                  شطراً تهادى إلى أوجاعِ أقداري

لا، لا تَسَلْ مُبحِراً في ليلِ عاصفةٍ              عن غُربةِ الوصلِ في أعماقِ بحّارِ

تَمضي شراعي كما ما رَتْكَ أشرعةٌ            إنْ حثَّها الصَّفوُ لم تأمنْ لإعصارِ

لم تثنِها عاتياتُ الموجِ عن أملٍ                 في وحشةِ اليَمِّ لم تَعبَأ بتيَّارِ

وما أثار د. فضل في النص؛ جلوس الشاعر على كرسيٍّ، وكأنه أراد بذلك تجديد القصيدة، في حين أن شيخ الشعراء الرومانسيين خليل مطران كان يجلس على صخرة.

وأوضح الناقد أن لدى الشاعر مجموعة من الصور الحسية الفردية التي تتحول عبر القصيدة، فلا يظل جالساً، بل يبحر وتمضي أشرعته تُمَاري أشرعة أخرى، لكن الشاعر لا يأمن الإعصار، بما يعني أن صوت القصيدة لا يركن إلى التأمل، بل يخوض غمار الحركة.

وأضاف د. فضل إن الشاعر توزّع نفسه على شطرين: (شطرٌ يُغنّي على أعتابِ بهجتهِ/شطراً تهادى إلى أوجاعِ أقداري)، ليتجلى الإيقاع المنتظم والسلاسة التعبيرية وجدلية الحياة كما نعيشها.

كما قال د. فضل: إن عند الشاعر تيمات مكررة في خطاب البحر بانتظامٍ مدهشٍ، والتي يختتمها بقوله: (يا بحرُ ينتابُني عندَ السُّرى أملٌ/آوي إليهِ فَهَبْني سرَّ أشعاري). وأشار إلى أن أشعار أحمد ليس فيها سرٌّ خبيء، فهي شفيفة ورمانسية، وتخلو من أية مفاجأة، بما فيها من جمال ومتعة أتاحها الشاعر للمتلقي.

د. علي بن تميم بدأ من البحر البسيط الذي جاءت عليه قصيدة أحمد. ورأى أن النصّ جاء موزّعاً بين بحرين، ويتأرجح بينهما. بين بحر الشعر بكل ما ينطوي عليه وبه من صور ومجازات ومعاناة، والبحر الحقيقي بمائه ورمزيّته وأسراره. كما أوضح أن الشاعر ينحاز إلى بحور الشعر، فيناجي البحر سبع مرات بأسراره، لأن البحر يحتفظ بالأسرار ولا يبوح بها.

ثم أشار د. علي إلى مفتتح القصيدة، ورأى لو أن الشاعر جعلها خاتمةً لكان أفضل، ولكان أجمل أيضاً لو أنه جعل البيت الأخير في المفتتح (يا بحرُ، ينتابني عند السّرى أملٌ/آوي إليه، فَهِبْني سرّ أشعاري)، وبرأي الناقد أنه لا يجوز القفز على النتائح. وعليه فإن البيت الأخير – برأيه – هو عتبة القصيدة.

والقصيدة – كما وجد د. علي – تتناص معنى ووزناً وقافيةً مع قصيدة غازي القصبي (خمسٌ وستّونَ في أجفانِ إعصارِ/أمـا سـئمتَ ارتـحالاً أيّها السَّاري)، لكن القصيبي كان يركب على موجٍ بحرٍ هائج، فيما جلس الشاعر عسيري على كرسيٍّ على شاطئٍ مقمرٍ، ومع ذلك فهو يجيد السباحة في البحر الهادئ، وفي بحر الشعر.

د. عبدالملك مرتاض أشار إلى أن ما قاله د. بن تميم خطير جداً، فبإمكان الشاعر أن يجعل البيت الأخير أولاً، والبيت الأول آخراً، ما يعني أن الوحدة الفنية ليس قوية في النص. وبادٍ في النص أن الشاعر استحال إلى سمكةٍ تسبح في أمواج البحر الطامية من خلال استعمال مفردات مثل (مرسى، مجدافي، إبحاري، بحّار، شراعي، اليم، الزورق). أما خطاب البحر ونداؤه فقد تكرّر ست مرات. والشاعر حرٌّ في اختيار الموضوع ما دام وُفِّق في الوصول إلى شعرية طافحة، ولغة سلسلة عالية.

وأضاف د. مرتاض: بحكم أن القصيدة تضرب بسهمٍ عالٍ في الشعرية؛ فالتصوير فيها بديع، حيث نكاد نجد في كل بيتٍ صورة فنية شفيفة، كما في البيت: (آوى شتاتي كما آويتُ قافيةً/في نبضِ صدرٍ من الأنّات موّارِ). حيث تقوم الصورة على شيءٍ يتجلّى ثم يتخفّى في حركةٍ نابضة داخل صدرٍ مملّأ من الاضطراب والأنين. وختم د. مرتاض بوصف أحمد بالشاعر.

«بروكار دمشقي» من عبدالسلام حاج

القصيدة التي ألقاها عبدالسلام حاج نجيب والتي حملت عنوان (بروكار دمشقي)؛ جاءت حسنة – كما وصفها د. عبدالملك مرتاض- لجمال تشبيهاتها، ودفق لغتها، وأناقة نسجها، وسحر إيقاعها، وبيانها. وهي القصيدة التي شهدت إعجاباً من لجنة التحكيم التي وجدتها متميزة بكل ما فيها، ومن الجمهور الذي صفق طويلاً للشاعر الذي اخترنا من نصه الأبيات التالية:

طريٌّ كنعناعٍ رشيقٌ كمهرةِ                     كضحكةِ كحلٍ في جفونِ صبيّةِ

كعصفور صبحٍ يطفئُ الحربَ صوتُه          ويزرعُ ورداً في فمِ البندقيّةِ

هو الحبُّ في أرضٍ يضمّدُ جُرحَها            هديلُ حَمَامٍ في البيوتِ العتيقةِ

أتيتُ، معي من كلِّ غصنٍ قصيدةٌ             وأغنيةٌ توصي الربيع بصحبتي

وأشتاقُ، كم أشتاقُ يا دفءَ بيتنا               لبسمةِ أمي وهيَ تغزل سترتي

لبنتٍ جرى نهرٌ بكمِّ قميصِها                  وأعشبَ سهلٌ يابسٌ حين مرَّتِ

وكانت تربِّي في حديقةِ شالِها                 فراشاتِ نورٍ من حدائقنا التي

«القصيدة تمسُّ القلب، وتضمّد الجرح».. بهذه العبارة بدأ د. علي بن تميم، معرّفاً بالبروكار على أنه أشهر أنواع الأقمشة، وهو المنسوج من خيوط الذّهب والفضّة، واسمه دامسك، أو الدِّمقس، ومنها على ما يبدو جاء اسم دمشق.

وأكد: مثل ما خيوط هذا القماش الفاخر مختلفة، كذلك خيوط القصيدة الجميلة، والتي تنسج دمشق من خلالها بخيوط (النعناع، والمهرة، والكحل، والعصفور، والورد، والحمام). وحين يقول الشاعر: (فيا من قطفتِ العِطر من ياسمينها/وكنتِ ببستانٍ الندى ياسمينتي)؛ يظهر الياسمين في جماليات هذا البيت الدمشقي الأليف. وهنا ذكّر د. بن تميم الحضور بشاعر الياسمين الدمشقي نزار قباني.

ثم قال د. علي: إن الشاعر مزج بين ضمير الغائب في الحديث عن دمشق، وبين ضمير المتكلم في الدفاع عنها، وانتقل من الهمس إلى النّبرة العالي. مضيفاً أن صوت ابن منبج رائد الحداثة الشعرية في العصر العباسي أبا تمام الطائي يبرز في القصيدة، وهو الذي حضر فيها معنى ومبنى، وخاصة حين قال الطائي: (نُسَائِلُهَا أَيَّ المَواطِنِ حَلَّتِ/وأيِّ ديارٍ أوطنتها وأيَّتِ).

وفيما يتعلق بالبيت الأخير من قصيدة عبدالسلام (سترحلُ هذي الحرب يوماً، ونلتقي/كما يلتقي بالرّوح صوت الكمنجةِ)؛ فقد رآه د. علي جميلاً بما فيه من لغة تفاؤل وموسيقى بديلاً عن الاحتراب.

ووصف د. عبدالملك مرتاض ما قدمه عبدالسلام حاج بأنه ليس كالشعر، إذ قدم قصيدة في منتهى الروعة والجمال (طريٌّ كنعناعٍ رشيقٌ كمهرةِ/كضحكةِ كحلٍ في جفونِ صبيّةِ)، وقال د. عبدالملك إن هذا هو السحر الحلال.

أما قول الشاعر: (وكانت تربِّي في حديقةِ شالِها/فراشاتِ نورٍ من حدائقنا التي…) فإن مفردة (التي) هي ما يميز هذا النص تمييزاً عجيباً، لأن المسكوت عنه في سيمائيات الشعر يمكن أن يُؤوَّل ويُقرأ على عدة وجوه وحالات. متسائلاً د. مرتاض: كيف كانت للشاعر الشجاعة الشعرية بقول (التي) وبإضافة ثلاث نقاط بعدها فقط. وقد علل إعجابه بالبيت لأن الشعر هو التركيز، وهو لغة موجزة، أما القارئ فهو الذي يؤول.

د. صلاح فضل قال: إن عمل عبدالسلام في الديكور جعله يقدم قطعة فنية باذخة وثمينة مثل البروكار الذي تحدث عنه في القصيدة. غير أن الخيوط التي نسجها الشاعر في قصيدته ليست من فضّة وذهبٍ وحرير، إنما من ذهب ولهب، وهذه هي الميزة الأساسية فيها. فقد عرف الشاعر كيف يمزج بين الصورة الجميلة الغنية المترفة لدمشق التاريخية في المخيال العربي والعالمي والإنساني مع آلام وأوجاع وأنّات وأحزان وكوارث الحرب التي تصيب سوريا وتجعل حريرها ملطّخاً بالدم.

وميّز د. فضل في القصيدة نسيجاً جباراً بين جديلتين، جديلة المخيال من جانب، وجديلة الواقع الحزين المؤلم من جانب آخر. وأضاف: إن كل الاستشهادات التي أمتعنا بها الزميلان د. علي بن تميم ود. عبدالملك مرتاض؛ مفعمةٌ في هذه القصيدة، فإذا اشتاق الشاعر لدفء البيت أحضر صورة أمه وهي تغزل سترته، ثم يمضي في الصورة فيراها تربّي في حديقة شالها فراشات النور.

لكن د. فضل كان يحسب أن القصيدة العمودية لا تقوَ على الإمساك بجمرة الحياة المعاصرة الملتهبة، إلا أن عبدالسلام برهن له على عكس ذلك. وخصوصاً عندما قال البيت: (أيا سوريّا السّمراء ياقمحَ عمرنا/ويا مطراً يِهْمي على وجه طفلةِ).

«موال عشق».. هبة الفقي

ثالثة شعراء الحلقة هبة الفقي التي ألقت قصيدتها (موال عشق لأنثى الخيال)، والتي قال د. علي بن تميم إن بناءها متقن جميل، ولغتها موحية، وأخيلتها رائعة، وبأفعال مضارعة وماضية تصنع الذات الأنثوية المتعالية بجمالها. مع أن التعالي لا ينفع الشعر، بل ما ينفعه هو التّجلّي.

ومن الأبيات الأولى للقصيدة قاله هبة:

أهْمِي على شفةِ العشّاقِ بالعبقِ             كأنّني غيمةٌ والمنتهى أُفُقي

كأنَّني حينَ مسَّ الّلحنُ قافيتي              أصبحتُ رقصةَ أنفاسٍ على الورقِ

منذُ ارتويتُ بأرواحِ الخلودِ ولي           في كلِّ سطرٍ وليدٌ شبَّ من عَلَقي

أعلِّم الأرضَ أسرارَ ابتسامتِها             وأنثرُ الصّبرَ والآمالَ في الطُّرقِ

في كلِّ ليلٍ أشقُّ النّور أوديةً              وأوقظُ الفجرَ كي يزدانَ من ألقي

كفى ملاذٌ وعيني بينَ زُرقتِها              درويشُ عشقٍ من الأشواقِ لم يُفِقِ

بدأ د. عبدالملك مرتاض من وصف هبة بأنها «هبة الشعر»، ثم انتقل إلى البحر البسيط قائلاً: في دَأْبِ العادة أن البحر البسيط يقتل الشعر، لكننا لم نشعر أن هذا البحر كما يُقال عنه.

بعدها انتقل إلى البيت: (أنثى تدورُ على خصرِ الدّنا قلقاً/وتنتهي عند وادٍ غيرِ ذي قلقِ)، والبيت: (لي زهوُ حوّاءَ لو تشدو بثورتها/ورِقّةُ البدرِ لو يحنو على الغسق)؛ وقال إن هذا الشعر جميل جداً. أما اللغة المعجمية عند هبة فهي سليمة وخالية من الأخطاء، والقصيدة في غاية الصفاء والنقاء، تمثل تجربة ذاتية بخاصة، وتجربة أنثى بنظرها إلى الحياة والكون بعامة. لكن الأنوثة تطغى على تلك التجربة بكل معانيها.

وميّز د. مرتاض في القصيدة شغلاً على الحيز، وهذا المنتهى الذي تتحدث عنه الشاعرة لا ينتهي إلا في أفق مفتوح، فمكّن هذا الحيّز من الانتشار والاتّساع دون انتهاء. كما لاحظ شغلاً موظفاً لأدوات الزمن التقليدية، مثل: (الليل، الفجر، الزمان، الربيع، الخريف)، ما يعني أن هبة حاولت جعل الزمن يعانق الحيّز فيشكلان تبايناً سيمائياً يعمّق الدلالة، ويكثّف المعنى في النص البديع الذي قدمته هبة «الشاعرة».

في حين رأى  د. صلاح فضل أن القصيدة جميلة جداً ورقيقة، لكن ثمة مشكلة في العنوان (موال عشق لأنثى الخيال). فالشاعرة لعبت في القصيدة لعبة شائقة، هي لعبة التماهي أو التوحيد بين الأنثى والقصيدة، أي تبادل الأدوار، فالأنثى تصبح قصيدة، والقصيدة تتحول إلى أنثى. وهبة تجيد هذه اللعبة الفنية بطريقة شائقة. فالقصيدة غيمة تهمي، وحين يمس اللحن قافيتها تصبح رقصة أنفاسٍ حية.

ثم استعرض د. صلاح الأبيات التي اعتبرها جميلة في القصيدة، وهي: (فمي نوارسُ معنى لا رحيلَ لها/إلّا على نغمٍ بالحب مؤتلق)، (كلُّ القلوبِ بِحِضْنِ السّحرِ ذوَّبَها/حَرفي بعزفٍ على قيثارة الشّفَقِ)، (من قال إلّا لسانَ الجِنِّ أطلقَني/إنّي انطلقتُ كَوَحْيٍ بالحروفِ شَقي)، كما تمثّل أم كلثوم وهي تغنيها. وختم بالقول: تتلبس الشاعرة القصيدة بروحٍ كلاسيكية، وتبدع شعراً متألقاً.

وخاتمة الآراء كانت مع د. علي بن تميم، فبدأ من عنوان القصيدة الذي وجده غير متّسقٍ مع المضمون، فهي أنثى من لحم ودم تتجلّى في القصيدة على تلك الشاكلة، وليست أنثى خيال كما في العنوان.

أما القصيدة فتقوم على شعرية بسيطة وهي تشبيه، ولعل هذا ما أضعف الصور، فظهرت بسيطة، كما في:  (كأنّني غيمةٌ)، (كأنّني رقصةٌ)، (كفّي ملاذٌ)، (فمي نوارسٌ)، (كَوَحيٍ شقيٍّ)، (أختالُ مثل ربيعٍ)؛ وجميعها جملاً تشبيهية تجعل الصور بسيطة في النص.

وعندما قالت هبة: (أنثى تدورُ على خصرِ الدّنا قلقاً/وتنتهي عند وادٍ غيرِ ذي قلقِ)؛ ذكّرت الناقد ببيت أبي الطيّب (على قلقٍ كأنَّ الريح تَحْتي/أسيّرها يمناً أو شِمالا). وأضاف د. بن تميم بأن الإبداع والقلق صنوان لا ينفصلان، ولهذا عندما أشارت هبة إلى الآية الكريمة (وادٍ غير ذي زرعٍ) من خلال العبارة التي وردت في نصها (وادٍ غيرِ ذي قلقِ)؛ فهذا يعني انحسار الشعر وموت الإبداع.

لكن الخاتمة كانت رائعة برأي د. بن تميم عندما قالت هبة: (أنا القصيدةُ مَنْ غَاصوا بأوردتي/يدرونَ أنّ جمالَ العشقِ في الغَرقِ)، وفي المقابل كان أبو الطيّب يصيح (أنا الغريقُ فما خوفي من البَللِ)، والحلاج يقول (أنا الحقُّ). ثم قال د. علي: إن هبة تتماهى في القصيدة مع أنثى الخيال، الذي تعني بها القصيدة، والتي لا تولد وفي فمها ملعقة من ذهب، إنما تولد من رحم المعاناة.

«زغاريد جبلية» بصوت يارا الحجاوي

ختام الحلقة كان مع يارا الحجاوي التي قدّمت نص (زغاريد جبلية لأعراس السواحل)، الذي أعجب د. عبدالملك مرتاض من حيث اشتغالها على أربعة عناصر، وهي (الحركة، الحيّز، والزمان، الأصوات)، ولو أن يارا شاعرة كبيرة – كما قال – لجعلت من النص ملحمة رائعة، ومع ذلك فإن تلك العناصر حين تتعانق تشكّل لُحمة شعرية متكاملة متناغمة، وعلى حداثة سنّها؛ فقد قدمّت قصيدة بديعة هذا المساء. ومما قالته يارا في المقطع الأول من نصّها:

كان المساءُ خدود يافا

والنوارس ترفع الأمواج عرسا

كلّما همستْ لنا السِّرَّ الجليل

«مشوارنا هذا طويل»

قال المحمّل بالرّسائلِ

والمدى يُدني شفاه البحر من خدّ الأصيل

هي خطوةٌ أخرى؛ وتبتدئ الحكايةُ

كان ساعدُه الزِّنادَ

وكان نبض الأرض إيقاع التّرقب

والخّطى تدنو… ويرتفع الصّهيل

د. صلاح فضل قال إن القصيدة هي زغرودة الفجيعة، لكن يارا نجحت في تشعيرها، وجسدت طاقة شعرية متفجّرة تصوّر فيها تلك الحكاية التي تبدأ بها المشوار الطويل.. الطويل. والمشوار الطويل يتجلّى في النضال من أجل الأرض، وهي التيمة الرئيسة للموقف، وبها تفتتح القصيدة وتختتم. فيما النسق السردي يعطي للقصيدة تماسكها، ويبث فيها الوهج الدرامي الممتع.

ثم إن تشعير المواقف وسلسلة الاستعارات التي وردت في النص مثل: (خدّ الأصيل)، (للضّاد احتفال)، وطريق النضال الذي اختارته يارا وطريق الفجيعة، لكنها تكتب قصيدة طافحة بالأمل في المستقبل، وهذا يليق بشبابها وبشعريتها.

فيما علّق د. علي بأن لكل قصيدةٍ مفتاح، وبعض المفاتيح مزيف وبعضها أصيل، لكن الأجمل ما يقع بين بين، أي تلك المفاتيح غير المزيّفة وغير الأصلية، وذاك هو معدن الشعر الأصيل، ومفتاحه أيضاً.

أما المفتاح فيتجلّى في القصيدة بعبارة (مشوارُنا هذا طويل) التي تكررت ثلاث مرات، لتضمّن قدراً من المعاناة والأمل في الوقت نفسه. والقصيدة تذكّر بقصيدة درويش (عائد إلى يافا)، ففي القصيدتين تشكّل يافا فضاءً للحكاية، حيث يقول محمود درويش (هو الآن يرحلُ عنا ليسكن يافا ويعرفها حجراً حجرا ولا شيء يشبهه والأغاني تقلّد موعده الأخضر).

وفي تلك القصيدة القائمة على العودة إلى يافا تشيع مفردات محمود درويش، مثل (النوارس، الزغاريد، الزناد)، حتى وضع (اللغة الغريبة) في القصيدة تذكّر بدرويش حين قال: (ويافا تُرجمت حتى النخاع). فيما الأنا الشعرية لا تشارك في صنع الحدث، وهي في قصيدة يارا تصف مجريات الحدث وتطوراته، وختم بقوله: إن موهبة يارا قابلة للنمو لأنها تمتح من شعر شاعر كبير، أي محمود درويش، وأمِل أن تكون قادرة على إطلاق الزغاريد الجبلية.

ومن جانبه قال د. عبدالملك مرتاض: يبدو أن القصيدة تحمل مبالغة في التهويم، ولو نحلل الكلمات ونركّبها، لوجدنا مجموعة كثيرة من الألفاظ الشعرية الجميلة والبديعة، غير أن تلك الألفاظ بحاجة إلى بلورة، أو إلى احترافية شعرية ما تزال يارا تبحث عنها، تلك الموجودة لدى درويش.

في آخر حلقات المرحلة الأولى

في الحلقة الخامسة والأخيرة من المرحلة الأولى، والتي سيتم بثها مساء يوم الثلاثاء القادم الموافق لـ26 فبراير؛ سيكون جمهور المسابقة على موعد مع نتائج التصويت التي ستتم عبر التطبيق الإلكتروني للبرنامج والموقع الخاص به للشعراء الثلاثة الذين تنافسوا ليلة أمس، وكذلك على موعد جديد مع شاعرين وشاعرتين سيتنافسون فيما بينهم شعراً، وكل واحد منهم سوف يسعى إلى حجز موقع متقدّم له في المسابقة، وهم: سلطان السبهان الشمري من السعودية، محمد الأمين جوب من السنغال، دينا الشيخ من السودان، ومنى القحطاني من الإمارات.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى