نون والقلم

رندة تقي الدين تكتب: زيارة ظريف قبيل ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد الحريري

   زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى بيروت للتهنئة بالحكومة الجديدة حملت رسائل إيرانية عدة في توقيتها، فلقد زار العاصمة اللبنانية خلال احتفالات بلده بالثورة التي أتت بالخميني قبل 40 عاماً إلى الحكم، فأراد ظريف أن يظهر للداخل الإيراني أن نظام الثورة الفاشل داخل بلده نافذ في لبنان كما هو في سورية، حيث مكن نظام الأسد من البقاء وساعده على تصفية شعبه، وفي العراق حيث له جماعات تابعة له. ويريد أيضاً أن يوصل رسالة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي طالب الرئيس الإيراني مرات عدة بأن يسهل تشكيل الحكومة، انه نفذ ذلك، لبيعها له بعد أن عطل «حزب الله» التشكيلة باختراعه بدعة اللقاء التشاوري، فلكل فك تعطيل سعر إيراني لفرنسا.

ووصل ظريف قبل ثلاثة أيام من ذكرى شهادة رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري الذي اغتيل في 14 شباط (فبراير) 2005. وأصابع الاتهام الدولي في تنفيذ الجريمة وجهت إلى أربعة مشتبه بهم من «حزب الله» التابع للنظام الإيراني، تنفيذاً لإرادة الرئيس السوري بشار الأسد الذي استمر بالاستعانة بـ«حزب الله» وإيران لقتل شعبه. والمشتبه بهم فارون لم يسلموا إلى القضاء الدولي. فهل يا ترى نسمع من المحكمة الدولية خلال هذه السنة نتائجها؟ فاللبنانيون الأحرار لم ينسوا الرئيس الشهيد وباقي الشهداء الغاليين الذين سقطوا معه وبعده، وهم في انتظار نتائج المحكمة.

وأبدى الوزير جبران باسيل حفاوة ووداً غامراً لنظيره الإيراني بعد المؤتمر الصحافي المشترك للوزيرين، حيث أشاد باسيل بمسار أستانا واصفاً إياه بأنه «يحقق أهدافاً لسورية ولبنان»، في حين أن أستانا فشل حتى الآن في الاثنين، فلا مصالحة ولا حل سياسي في سورية، ولا عودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى بلدهم، فكانت مجاملة الوزير اللبناني لضيفه الإيراني لإرضاء «حزب الله» الذي أصبح بفضل الحلف مع تيار باسيل صانع الرؤساء في لبنان. وتجنب ظريف كونه ديبلوماسياً محنكاً بسرد تفاصيل مساعدات زعم بعض الإعلاميين أن إيران ستقدمها إلى لبنان، منها مساعدات إلى الجيش أو في قطاع الكهرباء وغيرها، فظريف يدرك أن الكلام العام عن مساعدات غير مكلف، وأن الخوض في التفاصيل يظهر واقعاً إن إيران غير قادرة على تقديمها، فلا يمكن للبنان أن يقبل مساعدات عسكرية من بلد تحت عقوبات أميركية صارمة، خصوصاً أن الولايات المتحدة قدمت للبنان منذ 2007 مساعدات بلغت 4.8 بليون دولار، منها 1.7 بليون مساعدات عسكرية للجيش، وأكثر من 3.1 بليون مساعدات تنموية وإنسانية. في السنة الماضية فقط بلغ حجم المساعدات الأميركية للبنان 750 مليون دولار. ومن المحتمل أن المسوؤل الإيراني اقترح على المسؤولين اللبنانيين أموراً لا يمكن للبنان أن يقبلها، ولكن ذلك قد يؤثر سلباً على لبنان، لأن البعض في واشنطن سيسأل الإدارة الأميركية: لماذا تساعد لبنان الذي ينحاز إلى المحور الإيراني – السوري الذي يمثل شراكة في القتل والتخريب في المنطقة؟

وماذا عن المواطن اللبناني نزار زكا المخطوف من الحرس الثوري في إيران؟ جاء ظريف ليعطي اللبنانيين بلغة خشبية رداً غير مقنع بأنه «في حوزة القضاء»، ربما قضاء الحرس الثوري المرعب.

أن زيارة ظريف كانت لتمرير نقاط للعالم ولداخل إيران أن نظام الحرس الثوري الإيراني، على رغم العقوبات الأميركية، مازال لديه يد طولي للتدخل والتخريب في الشرق الأوسط.

هل يا ترى أدرك الرئيس الفرنسي السابق جسكار دستان عندما اتصل به شاه إيران وأوصاه في 1975، أن يستقبل آية الله الخميني في نوفل لوشاتو في فرنسا، أنه صدر من هذه البلدة الفرنسية في 1979 «ثورة البلاء» على الشرق الأوسط لعقود؟ أخطأ الشاه عندئذ التقدير بأن الخميني خارج النجف حيث كان صامتا تحت حكم صدام حسين سيكون أبعد في فرنسا عن إيران، ولكن عندما وصل الخميني إلى فرنسا قبل حوالي 45 سنة إلى نوفل لوشاتو الضاحية الباريسية أتاحت الزيارة إلى هناك مراقبة تعامل الخميني مع الذين كانوا يعتقدون على خطأ أنه سينقل إيران من دكتاتورية الشاه إلى الديمقراطية، ولكن الخيمني كان يفرض آراؤه على زواره من شبان إيران من دون أي تبادل للرأي. ونظرته وحديثه تميزا بالقساوة والأحادية، فكان جالسا تحت شجرة إلى جانبه إبراهيم يزدي الوزير الراحل الذي لاحقاً انقلب على نظام الثورة الإيرانية قبل وفاته في 2017، محاطاً بشبان آملين بأنه سيغير من نهج الشاه، ولكنه كان يملي عليهم عقائد ثورته المشوؤمة التي خربت إيران والمنطقة وعززت الطائفية في كل الشرق الأوسط. ولكن لسوء حظ شعوب لبنان وسورية والعراق استطاعت بفضل مجموعات محلية أن تتغذى وتنتشر وتخرب من سورية إلى اليمن حتى في أوروبا، حيث طردت فرنسا ديبلوماسيين إيرانيين حاولوا تنفيذ عملية إرهابية في مكان مؤتمر للمعارضة الإيرانية، فديبلوماسية ظريف ورئيسه روحاني تغطي سياسة الحرس الثوري، وعلى المسوؤلين اللبنانيين أن يتصدوا لأية محاولة إيرانية للاستفادة من استقرار لبنان النسبي، للتحايل على العقوبات الأميركية، أما بتصنيع الأدوية الإيرانية في لبنان أو غيرها من السبل التي تزيد الطين بلة على وضع اقتصادي لبناني متدهور وخطر هو بحاجة للتعافي، لا للهاوية.

نقلا عن صحيفة الحياة

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى