
عندما عدد الله ميزات شهر رمضان المبارك للأمة مسوغا لها سبب هذه البركة واختصاصه بالصيام، فقال الله في مزيته أنه شهر القرآن الكريم، «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن» واختص ذكر رمضان باسمه دون بقية الشهور ليس لعظيم شرفه فحسب، بل لأنه أيضا أنزل فيه القرآن الذي حبب إلينا تلاوته في كل أيام السنة وفي رمضان أخص وأكثر.
وانظر إلى التعبير القرآني الواضح.. «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن» ويسوق لنا الاستاذ عبد القادر علاوة قصة تؤكد لنا شرف اصطفاء الله لمن يختاره للقرآن قارئا وحافظا ومتدبرا وذلك من خلال سرده لقصة ذكرتها احدى محفظات القرآن.
كان أعظمُ ما قيل لي من طفلٍ صغير عُمرهُ تسع سنوات، كُنت أجلس معهُ هو وبعض الأطفال لأُراجع معهم ما حفظوا في القُرآن قبل الذِهاب إلى المُسابقة كان صغير السن ورغم هذا كان يحفظ القُرآن الكريم كاملًا، أردت أن أكون حازِمة بعض الشيء لأنهم كانوا يلهون معًا فقُلت لهم من سيبدأ في الترتيل؟
فقال: أنا
فقُلت له إذًا ومن أين ستبدأ؟
كُنت أنتظر منه أن يبدأ التلاوة من سورة البقرة أو الناس، ففاجئني بقولهِ سأبدأ من أحب السور إلى قلبي لأن بها أحب آية إليّ، ثُم ابتسم وأمسك بالمُصحف وضغط عليه قليلًا ورتّل سورة «طه».
وعندما قال: «وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى» صمتَ لعِدة ثوان وأغمض عينيهِ وابتسم ثُم أكمل التلاوة، تعجبتُ كثيرًا منهُ فانتظرت منهُ أن ينتهي من السورة حتى لا أُقاطعهُ.
ثُم قُلت له حَسْبُك يا زيد.
فقال لي: وحَسبي حقًا أنه اختارني.
لم أفهم كلامه فسألت بتعجب ماذا تقصد؟
فـاعتدل في جلستهِ ووضع المُصحف على الحامل، وأمسك بكوب ماء
وقال لي اِرو الظَمَّأَ، أنا اخترتُك من بين كُل هؤلاء لتروي ظمأك.
فشربتُ قليلًا من الماء ثُم وضعت الكوب وقُلت له أنا لا أفهم شيئا
فقال لي:
أُحبُ هذهِ الآية كثيرًا، فلقد قالها لي أبي في أول مرة بدأت فيها في حِفظ القُرآن، قال لي أن الله اختارني من بين كُل البشر، وجعلني ألمسُ كتابه ليُطّهر يدي، وأحفظُ حديثهُ ليُنقي لساني وأنصتُ إلى آياته فيُصبحُ هو سمعي الذي أسمعُ بهِ فلن أستمع إلى ما يبغضهُ، وأرى حروفهُ فيُشفى ماء عيني بكلامه، اختارني أنا خصيصًا لتحفظ الملائكة صوتي، ويستمع إلى تلاوتي، ويُحبُ خفقاتي.
قال أبي أنه يختارنا ويبتلينا ليُعظّم أجرنا، ويختارنا ولا يُحقق دُعائنا أحيانا ليُثڨّل صحيفتنا، ويختارنا ويُضيّق علينا الدُنيا ويجعلها عكس ما نتمنىٰ ليُخبرنا أنها فانية، يفعل هذا حتى لا نتعلق بها.
الانشغال بالقرآن تلاوةً واستماعًا وتدبُرًا اصطفاء رباني تأمّل ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى﴾
اللهم وفقنا لحفظ كتابك وفهمه وتدبره والعمل به يا رب، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء حزننا وذهاب همنا وغمنا.
وغدا تجمعنا ومضات رمضانية جديدة