نون والقلم

رشاد أبو داود يكتب: خيط الدم من حرق الأقصى لمجزرة نيوزيلندا

خيط من الدم يربط بين المتطرفين في العالم. الضحية دائماً هو الإنسان. والخاسر هي الإنسانية. وقد انتشر في أيامنا هذه أولئك الذين نصبوا أنفسهم وكلاء للرب في الأرض. يكفّرون من يكفّرون، ويقتلون من يقتلون. وفوقهم ثمة من يوجههم ويحركهم ويغسل أدمغتهم بماء أهدافهم القذرة.

مجزرة مروعة تلك التي ارتكبها ذاك الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت بدم بارد في نيوزيلندا وقتل خمسين مسلماً داخل المسجد، مكرراً ما اقترفه ضد الإسلام والمسلمين مواطنه الأسترالي دينيس مايكل روهان الذي أحرق المسجد الأقصى عام 1969، لاعتقاده أن فلسطين هي المكان الذي سيظهر فيه السيد المسيح!

هذان وأمثالهما ينتمون إلى الصهيومسيحية التي حرّفت الدين المسيحي بتدبير من اليهود والحركة الصهيونية العالمية، وانتشرت بخاصة في أميركا مركز الثقل الصهيوني بعد تراجعه في أوروبا.

جريس هلسل صحفية وكاتبة أميركية مرموقة، قامت بتغطية الحرب في فيتنام وعاشت سنوات في أوروبا وكوريا واليابان وأميركا الجنوبية وفي أعقاب تغطيتها الصحفية المميزة للحملة الانتخابية للرئيس الأميركي الأسبق (ليندون جونسون) اختارها جونسون كاتبة لخطاباته، صدرت لها كتب كثيرة غير أنها تعرضت للاضطهاد والعزلة حينما كشفت حقيقة الصهيومسيحية، في كتابها «النبوءة والسياسة» الذي أثار حين صدر في الولايات المتحدة في نهاية الثمانينيات ردود فعل واسعة النطاق على اعتبار أنه كان من أبرز الكتب التي فتحت ملف المسيحية الصهيونية من داخلها، حيث كانت هلسل أحد أتباعها ثم قررت أن تكشف المسيحيين الصهاينة ومعتقداتهم للعالم، ودفعت مقابل ذلك ثمناً باهظاً فيما بعد، حيث اختفى الكتاب بعد صدوره وكانت تُسحب نسخه من الأسواق أولاً بأول، وتعرضت هلسل لضغوط صهيونية لأزمتها طيلة حياتها، وأصدرت كتابها الثاني عن المسيحية الصهيونية تحت عنوان «يد الله».

كانت هلسل أول صوت إنجيلي يرتفع ضد هذه الحركة، وأول صوت مسيحي يكشف حقائق داخلية عن فلسفة هذه الحركة وعن خلفياتها التاريخية، و جاءت في زيارات حج إلى فلسطين عدة مرات مع فريق الحركة الذي يسمي نفسه الصهيونية المسيحية.

مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي يمثل كل الكنائس في المنطقة العربية أصدر في عام 1985 بياناً أدان فيه بشدة استغلال التوراة واستثمار المشاعر الدينية في محاولة لإضفاء صبغة قدسية على إنشاء إسرائيل ولدمغ سياستها بدمغة شرعية. وجاء في البيان: «أن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم الصهيونيين المسيحيين لا يعترفون لكنائس الشرق الأوسط بتاريخها وبشهادتها وبرسالتها الخاصة، ويحاولون زرع رؤية لاهوتية غريبة عن ثقافتنا».

فيما بعد، في عام 1607 نشر لاهوتي يهودي في بريطانيا يدعى توماس برايتمان كتاباً بعنوان «أبوكالبسيس أبوكالبسيس» يدعي فيه أن الله يريد عودة اليهود إلى فلسطين لأنه يحب أن يعبد من هناك، هذا الطرح لقي أذناً مصغية من بعض المشتغلين في قضايا لاهوتية سياسية، في ذلك الوقت كان اليهود يتعرضون إلى اضطهاد في روسيا القيصرية وفي بعض دول أوروبا الشرقية وكانوا يلجؤون إلى أوروبا الغربية.

النظرية الدينية الجديدة وجدت من يتلقفها ومن يؤمن بها حقاً، لم تعد مجرد عملية استغلال سياسي، أصبحت هناك مدرسة دينية لاهوتية قائمة عليها منذ ذلك الوقت المبكر، وفي عام 1649 وجه لاهوتيان بريطانيان كانا يعيشان في هولندا رسالة إلى الحكومة البريطانية يطلبان فيها أن يكون لبريطانيا «شرف نقل اليهود على البواخر البريطانية إلى فلسطين تحقيقاً للإرادة الإلهية بوجوب عودتهم إلى هناك» على أساس أن للمسيح عودة ثانية، ولهذه العودة شروط لا بد من توافرها، وهي أنه لن يعود إلا إلى مجتمع يهودي، ولن يظهر إلا في صهيون.

انتشرت هذه المدرسة في أميركا بسبب نقل الحركة الصهيونية نشاطها الأكبر إلى العالم الجديد خلافاً لأوروبا التي عاث فيها يهودٌ فساداً، وهو ما تضمنته أدبياتهم التي صورت اليهودي بالمرابي والفاسد كما في شخصية شايلوك في مسرحية شكسبير «تاجر البندقية».

كاتب خطابات الرئيس بوش (مايكل جارسون) هو من أبناء هذه المدرسة، ولذلك نجد في خطابات الرئيس بوش بعض العبارات الدينية مثلاً عبارة محور الشر الذي يضع فيه كل من هو ضد إسرائيل.

وليس غريباً أن يكون المجرم تارانت الذي ارتكب جريمة قتل المصلين في نيوزيلندا متأثراً بفكر هذه المدرسة.

كاتب أردني

rashad-ad@hotmail.com

نقلا عن صحيفة البيان

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى