نون والقلم

د.نسيم الخوري يكتب: بحثاً عن «الوزير المفقود»

العنوان قاسٍ للوهلة الأولى، لكنه وردة خجولة لمن يقرأ ما يغرق فيه اللبنانيون في الوطن والمهاجر بوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بحثاً عن الوزير المفقود لتكتمل حلقة التعاسة في هذه الجمهورية البائسة.

لا وقت للمحيط العربي لفهم ما يحصل ويدور من مناكفات فارغة، هي العيوب والنقائص توشّح مستقبل لبنان. لكل عربي وأجنبي أزماته وهمومه ومشاغله، وقد ملّوا وأعرضوا عن الجمهورية المشدودة منذ إعلانها في 1943، بين الحرفين الأوّلين لاسم كل دولتين متنازعتين أو أكثر.

جمهورية سبعة أحزاب وطوائف أقلية ضئيلة بحجم حبة الخردل، تبحث عن وزير أصبح وزراً مفقوداً مستحيلاً، تتسلّل به من مذهب لآخر ومن سفارة لأخرى ومن دولة إلى دولة، مفسوخة بين خطين متوازيين.

لا جديد تحت شمس لبنان/‏بقايا جمهورية أضناها وفرّغها تاريخ الانقسام والتقاسم.

1- الانقسام الموروث: استهلك اللبنانيون أجيالهم خلال أول خمسين سنة منذ استقلالهم عن الانتداب الفرنسي (1943-1993)، لتصيبهم أمراض الانقسام السياسي والفكري والاجتماعي والديني والثقافي والتربوي وحتى اللغوي التعبيري المشدود بين حرفي الشين (شرق) والغين (غرب فرنسا تحديداً)، أو بين العين (عروبة) واللام والفاء (لبنانية وفينيقية)، أو بين ألف الإسلام وميم المسيحية. كانت الجمهورية التي تم إعلانها مفتوحة من الجهات كلّها، بلا حدود. استعصى على حكوماتهم إخراج لبنان من أن يكون مقراً للمستعمرين أو ممراً للمتآمرين، وكأنهم بنوا دولة في مهب الرياح العربية والدولية. لم ينسجوا وطناً بل قصائد في وطنٍ حتّى بعدما غاصوا في حروب 1936 و1958 الطائفية، ليحترق بلدهم في مصاهر نيران 1975؛ النموذج الشرس للحروب الأهلية الطائفية والمذهبية، التي ما أخرجهم منها سوى الانصياع الصاغر نحو اتفاق الطائف عبر تفاهمات إقليمية ودولية، أعلنت وقف الدم ودستوراً جديداً مكتوباً لم يطبّق.

2- لم يعرف اللبنانيون تطبيق ما اتفقوا عليه أو ما فرض عليهم الاتفاق عليه، على الرغم من أنه دستور أو نص أخرج من قاع الدماء والركام والهجرات التي أحسن غسّان تويني تسميتها يوماً ب«حروب الآخرين على أرض لبنان».

استمر هذا الانقسام الهائل من 1993 إلى 2005؛ تاريخ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عرّاب الطائف الفعلي. لقد استمر تعثر الحكم في لبنان طيلة هذه الفترة بين سوريا التي كانت تدير في قلب لبنان، ماكينة السلطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية ورفيق الحريري تحديداً، الذي كان معنياً بتطبيق اتفاق الطائف، الذي حصر السلطات التنفيذية في مجلس الوزراء وبه، بشكل متميز لملاءته.

3 – منذ اغتيال الحريري حتى اليوم، تجذر الانقسام وتوسع في ظل تداعيات الربيع العربي والحروب التي امتدت إليها معظم الأصابع الإقليمية من تركيا و«إسرائيل» وإيران، وهي حروب ونزاعات طويلة متداخلة لم تخلد نهائياً إلى الرماد، منذ تونس إلى سوريا مروراً بليبيا واليمن ومصر والعراق.

أين هو موقع الجمهورية من هذا كلّه؟

جمهورية يتيمة تتلهّى بالفراغ والفساد والعتمة والنفايات، والنازحين والتهريب والهدر والمذهبية والعملاء، والأمن والمخيمات والكسارات والمطاعم والمأكولات الفاسدة والأمراض، وخاصة أمراض السرطان والنفط والأبنية الحكومية والجسور والأدوية والمخدرات، وتبييض الأموال وملف الجامعات، وعلى رأسها الجامعة اللبنانية..

تكتب ويكتبون حتى ينفذ الحبر، وتتكسّر السبابات والأصابع فلا من يقرأ أو يسمع أو يتأثر أو يغيّر. بلغ الشتم والتحقير والسباب العنان، وفلتان الغرائز. يُدرك الجميع أن جمهوريتهم بلا جمهور إلا الأحزاب والأمن، ومعظم القضاء في الانتظار عند الحدود لاقتيادهم نحو النيابات العامة، بتهم القدح والذم والسجن.

بلا جمهور؟ مع أن الجمهورية قد عبأت هواتف من تبقى من اللبنانيين المحمولة، بموسيقى النشيد الوطني اللبناني. وها هم يتجمعون في عيد الاستقلال عبر تدفّق مواكب البذخ في الهندام والابتسام والحلل الأوروبية، رزماً متناكفة من الوجوه الرسمية التي أفرغت الجمهورية بالسرقات والفساد والتهويل والتخويف.

نقلا عن صحيفة الخليج

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى