إنه يومٌ يغيظ الإسرائيليين ويزعجهم، ويخيفهم ويقلقهم، وينكد عيشهم وينغص حياتهم، ويغضب أنصارهم والمتحالفين معهم، ويستفز المراهنين عليهم والمؤمنين بهم، ويربك الصهاينة عموماً والمسيحيين الانجليين والجدد، الذين يتحركون في هذا اليوم المشهود على نطاقٍ واسعٍ، وعلى مستوى دول العالم كلها، مستغلين سلطاتهم ومستعينيين بعملائهم، لتصدر حكوماتها قراراتٍ بمنع التظاهرات الشعبية والمسيرات المليونية المناهضة للكيان، التي تأتي استجابةً لدعوة الإمام الخميني، الذي دعا مسلمي العالم لإحياء يوم القدس العالمي، للتأكيد على دور الأمة كلها في تحرير فلسطين واستعادة القدس والمسجد الأقصى المبارك.
يشعر الإسرائيليون بخطورة هذا اليوم على أمنهم واستقرارهم، وعلى وجودهم وبقائهم، ولا يستخفون به ولا يقللون من أثره، ويحسبون حسابه ويخافون من تداعياته، إذ يدركون رسالته المقصودة، والغاية التي أرادها الإمام الخميني، عندما خصص الجمعة الأخيرة من شهر رمضان من كل عامٍ يوماً عالمياً للقدس، فهو يستنهض المسلمين جميعاً، وينفخ في رمادهم الكبير ويوقد جمرهم اللاهب.
ويرسل للإسرائيليين في هذا اليوم رسالةً حروفها القرآن، ومدادها دماء المسلمين وأرواحهم التي هي للقدس فداء، وصفحاتها سوح البلاد وميادين العواصم، أنهم ليسوا في مواجهةٍ مع الشعب الفلسطيني فقط، وإنما هم في مواجهةٍ مع الأمة الإسلامية كلها، التي ترى أن استعادة القدس وتحرير فلسطين مسؤولية الأمة جمعاء، وأن العمل من أجلها واجب، والتضحية في سبيلها شرف، والقتال من أجلها والشهادة في سبيلها أسمى الأماني.
يحاول الإسرائيليون التصدي ليوم القدس العالمي، الذي بات بحقٍ يوماً عالمياً عاماً شاملاً، مشتركاً موحداً، شعبياً رسمياً، واجباً مؤكداً، فرضاً لازماً، رمزياً وحقيقياً، فعالاً هداراً، واسع الانتشار عابراً للقارات، يلتزم به المسلمون جميعاً بكل أطيافهم ومذاهبهم، وجنسياتهم وانتماءاتهم.
يأتي إعلان «يوم القدس اليهودي»، رداً وتحدياً ليوم القدس العالمي، وهو اليوم الذي احتل فيه الإسرائيليون الشطر الشرقي من مدينة القدس في حرب العام 1967، حيث عمدت وزارة الثقافة الإسرائيلية في العام 2017، إلى تسمية هذا اليوم بـــ«يوم القدس اليهودي»، وذلك خلال الاحتفالات الإسرائيلية بالذكري الخمسين «لاستعادة القدس وتوحيدها».
يعتقد الإسرائيليون أنهم يستطيعون التأثير على يوم القدس العالمي، والتخفيف من آثاره المعنوية وتداعياته السلبية العامة عليهم، فخصصوا وفق التقويم العبري يوم الثامن وعشرين من شهر مايو/آيار، وهو اليوم العبري الموافق ليوم الخامس من يونيو/حزيران، يوماً لــــــ«القدس اليهودية»، الذي احتلوا فيه الشطر الشرقي من المدينة، وضموه إلى كيانهم، ووحدوه مع الشطر الغربي من المدينة الذي احتلوه في العام 1948.
يحاول الإسرائيليون في هذا اليوم إحياء حفلاتٍ فنية وأنشطةٍ رياضيةٍ، وعقد ندواتٍ فكرية ولقاءاتٍ سياسية، تجمع القوى والشخصيات التي تؤمن بهم وتؤيدهم، وتعترف بالقدس عاصمةً أبديةً موحدةً لكيانهم، وتعزز الهوية القومية واليهودية للشعب الإسرائيلي، وينظمون مسيرةً سنويةً تجوب شوارع القدس القديمة، وتخترق الأحياء الإسلامية فيها، وهم يحملون الأعلام البيضاء والزرقاء المكونة لعلمهم.
إلا أنهم ورغم نفوذهم الواسع وعلاقاتهم المتشعبة، وأحلامهم الكبيرة وأطماعهم غير المحدودة، فإن أحداً في العالم لا يستجيب لدعوتهم، ولا يقوى متضامنٌ معهم على الخروج في تظاهراتٍ عامةٍ تأييداً لهم، أو إيماناً بيومهم المزعوم، الذي أرادوه أن يكون عالمياً.
لهذا غدا يومهم مغموراً لا يسمع أو يهتم به أحد، وقد خاب أملهم هذا العام الذي تزامن فيه يومهم «الأسود» مع يوم القدس العالمي، وبدلاً من أن يركزوا جهودهم ويوظفوا طاقاتهم لإحياء يومهم، سخروا كل إمكانياتهم المحلية وعلاقاتهم الدولية لإفشال يوم القدس العالمي، والحد من تداعياته السلبية على مستوطنيهم وأتباع دينهم في كل أنحاء العالم.
في الوقت الذي يستحث فيه يوم القدس العالمي المسلمين في كافة أنحاء العالم للقيام بدورهم الفاعل والأساس في معركة تحرير فلسطين واستعادة القدس، ويستجيب للدعوة ملايين المسلمين، فإن الكيان الصهيوني يستغيث بدول العالم لتعترف بالقدس الموحدة عاصمةً أبديةً لكيانه، متباكياً أمام سفارتها وقنصلياتها، وفي عواصمها وبلادها، يشكو لهم ما تعرض له اليهود عبر التاريخ، وأنهم فقدوا مدينتهم المقدسة لأكثر من ألفي عامٍ، قبل أن يعودوا إليها من جديدٍ، ولكنهم يخشون فقدانها من جديد، والفرار منها والرحيل عنها مرةً أخرى، ويوم القدس العالمي يحمل هذه الرسالة، ويشير إلى هذه الخاتمة بوضوحٍ وإصرارٍ.
لكن يوم القدس العالمي جاء لينغص عليهم أحلامهم، ويكدر عيشهم، ويذكرهم بوعد الله الخالد برحيلهم، وتفكيك ملكهم وتبديد أحلامهم، بعد علوهم الأخير وإفسادهم الكبير، الذي سيليه بإذن الله سقوطٌ مريعٌ ونهايةٌ مدويةٌ، تشهد عليها الأمم، وتشارك فيها شعوب أمتنا، ويساهم فيها كل الأحرار المؤمنين بقضيتنا، فهذا وعدٌ غير مكذوبٍ، وأملٌ غير بعيدٍ، وهدفٌ غير مستحيل، لكن يلزمننا الإيمان به، والثقة بعد الله عز وجل بقدراتنا، وأننا نستطيع بما منحنا الله من أسباب القوة أن نحقق النصر المنشود والعودة الكريمة.
جزى الله عنَّا الإمام الخميني خيراً، الذي خصص يوم الجمعة «العظيمة» من شهر رمضان للقدس ذكرى ورمزاً، ولفلسطين حقاً وفعلاً، فقد أصبح لهذا اليوم قيمةً وأثراً، ودوراً وسهماً، فهو يحشد الأمة ويجمع صفوفها، ويوحد كلمتها وينسق جهودها، ويشحذ هممها ويستثير عواطفها، ويحيي أملها العظيم، ويحدد طريقها القويم، ويجعل أهدافنا ممكنة وغاياتنا سهلة، فطوبى لمن أحيا هذا اليوم أو ساهم فيه، أو تهيأ له واستعد، وقدم فيه ما يستطيع بالجهد والعمل، والفكرة والكلمة، والصورة والرسمة، فهذا يومٌ من أيام الله الخالدات، فامتازوا فيه وأروا الله بأعمالكم، وثقوا أن موعدنا مع القدس وفيها قريب، وصلاتنا في المسجد الأقصى ومحراب صلاح الدين حقٌ ويقينٌ.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية