د. مصطفى محمود يكتب: هل هو الجولاني أم الشرع؟
السؤال الأهم الآن بالنسبة لسوريا من هو الرجل الذي سيحكم سوريا: أحمد الجولاني، الذي صنفته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى كإرهابي ورصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يأتي برأسه، أم أنه أحمد الشرع، الذي بذل كل ما في وسعه خلال السنوات الأخيرة للإشارة إلى أن منظمته لن تهاجم الغرب؟ .
على مدى أغلب العقدين الماضيين، لم يستخدم الحاكم الفعلي لمعظم سوريا اسمه الحقيقي على الإطلاق. فقد اختفى أحمد الشرع، تماما ، الذي نشأ في أسرة تقدمية في حي مزدهر في دمشق ودرس الطب. وحل محله أبو محمد الجولاني، وهو الاسم الحربي الذي صيغ وفقا لعرف المتشددين الذين يسعون إلى هويات جديدة تفوح منها رائحة المجد الإسلامي التاريخي وتوفر درع عدم الكشف عن الهوية.
كان الجولاني هو الذي قاتل الجنود الأميركيين في العراق إلى جانب المتمردين بين عامي 2003 و2006، ثم سُجِن هناك لمدة خمس سنوات في معسكرات الاعتقال. وكان الجولاني أيضاً هو الذي عاد إلى سوريا في عام 2011 ليلعب أدواراً مهمة في حملات كل من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ثم تنظيم القاعدة.
كان الجولاني هو من تولى قيادة جماعة هيئة تحرير الشام الإسلامية وفرض حكمه منذ عام 2017 على مليوني شخص في جيب إدلب في شمال غرب سوريا. وفي الشهر الماضي، كان الجولاني هو من أطلق تحالفًا للمتمردين يهيمن عليه هيئة تحرير الشام في حملته الشرسة التي استمرت 12 يومًا وانتهت في دمشق يوم الأحد.
يبدو إن قرار الشرع بدخول دمشق والتخلي عن اسمه الحربي ليس سوى مؤشر واحد من بين العديد من المؤشرات التي تشير إلى أن التحول من التطرف إلى شيء أكثر اعتدالاً يعد كوسيلة ذكية لتقديم نفسه للعالم. لذا؛ عندما سيطرت هيئة تحرير الشام أعلنت العفو على جنود النظام السابقين، ذهبت من منزل إلى منزل لطمأنة السكان المسيحيين بأنهم لن يتعرضوا للأذى، وأرسلت رسالة إلى الأكراد مفادها أن «التنوع هو قوة نفخر بها».
ويقال إن الشرع نفسه قاد الجهود الدبلوماسية لكسب زعماء الشيعة الإسماعيليين وبالتالي تأمين المدن الرئيسية للمتمردين دون خسارة.
ولكن هذا ليس تحولاً مفاجئاً. فقد تحول الشرع، حتى في صورته السابقة، ضد كل من القاعدة والدولة الإسلامية، فحارب مسلحيهما وقام بتطهير جماعته بوحشية من أي شخص يشتبه في ولائه المزدوج.
والغريب أنه لم يقل آى شئ ضد التحالف الصليبي الصهيوني. رغم ما قيل من أن استخدام الجولاني كاسم حركي لم يكن يشير فقط إلى أن زعيم هيئة تحرير الشام، أو على الأقل عائلته، من مرتفعات الجولان، بل لأنه يعني أيضاً التزاماً شخصياً بإنهاء احتلال إسرائيل للمنطقة. ولكن ماحدث في الأيام الماضية من إسرائيل أكد أنه أسم ليس على مايسمى !.
أنه يحاول الظهور أمام العالم بصورته التي رسمها بعناية كرجل مصلح. إن ارتداء زي عسكري بسيط لا يعني مجرد تغيير عن الزي القياسي للمقاتل الإسلامي المتشدد، بل إنه رفض للعباءات والضفائر الذهبية والميداليات التي غالبًا ما تكون علامات على الرتبة في المنطقة.
على الجانب الأخر علينا أن نعرف ان بعض كبار قادة هيئة تحرير الشام وأكثر مقاتليها فعالية، ومن بينهم متطرفون قدامى من آسيا الوسطى، ما زالوا ملتزمين «بإيديولوجية أرهابية أساسية». وبالتالى فأن أي اعتدال جديد ليس سوى «تغيير شكلي» يخفي طموحات متطرفة، سواء محلية أو عالمية، على المدى الطويل.
الآن الجميع سعداء، ولكن عاجلاً أم آجلاً، سوف تصبح الأمور حقيقية ويخشى عودته إلى تطرفه. مع وجود البلاد في حالة من الفوضى. ولا يوجد اقتصاد ولا مال. وهناك جريمة وفقر وملايين اللاجئين الذين يريدون العودة.
وأخيرا وكما قال الشرع لشبكة سي إن: «لا تحكموا على الأقوال، بل على الأفعال».
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية