ما أشبه الذى حدث فى ستراسبورج الفرنسية بما حدث من سنوات قريبة فى مصر ابان أحداث 25يناير وبعد خطاب مبارك الذى طمأن العديد من المعتصمين فى الميدان وبدأوا فى الرحيل ؛ فكانت موقعة الجمل لأشعال الموقف ؛وتفرق دم الموقعة بين جهات كثر ولم تحسم القضية حتى الأن .
وهذا ما حدث من حركة السترات الصفراء، التي طالبت بمزيد من العدالة الاجتماعية بعد القاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطابا تضمن استجابة الحكومة للعديد من مطالب المتظاهرين، أهمها زيادة الحد الأدنى للأجور مئة يورو شهريا.
ورغم تحذيرات الحكومة حدثت أعمال الشغب، بل وتبني تنظيم «الدولة الإسلامية» أعتداء مدينة ستراسبورج الفرنسية الذي أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة 11 شخصا آخرين. بل أن إريك دروويه، أحد أبرز قادة «السترات الصفراء» نشر على صفحته بموقع فيس بوك مقطعا قال فيه «إن الوقت غير مناسب أبدا للتوقف، لا بد من أن نكمل»، مضيفا «ما قام به ماكرون ليس سوى دعوة لكي نمضي قدما، لأنه بدأ بالتراجع، والأمر بالنسبة إليه غير معهود». وباتت هذه المظاهرات تثير قلق أصحاب المحلات التجارية الذين تأثروا كثيرا بسبب تزامنها مع فترة الأعياد ؛وهو ماحدث مع المحال التجارية فى ميدان التحرير حين ذاك.
وفى الحقيقة أن انفجار الاحتجاج ضد حكم الرئيس ماكرون، لا يستهدف تغيير سياساته الاجتماعية نحو عدالة الضريبة بين الفقراء والأغنياء، ولا دور الدولة الراعية للحقوق في العمل والمأوى والطبابة والخدمات الاجتماعية والراعية لتكافؤ الفرص بل يدعوا الى تغيير رؤية ماكرون فيما يُطلق عليه «الإصلاح والتحديث» لتقليص دور الدولة والاعتماد على الشركات والبنوك والاستثمار الأجنبي في حل مشكلة الفقراء.
هناك من يحاول أظهارحكومة ماكرون على انها أكثر تواضعاً وبرجماتية رافضا فكرة وجود مؤامرة داخلية يقوم بها اليمين المتطرف و حركة «فرنسا غير الخاضعة» بزعامة جان لوك ميلانشون. رغم أن الجميع يعلم تطرف مارين لوبان الداعية إلى تفوّق العرق الفرنسي الصافي من أغنياء فرنسا وفقرائها المحاربين ضد العرب والمسلمين والمهاجرين.
ومازالت حركة «السترات الصفر» تعمل في على تنظيم المظاهرات وإيجاد أشكال ملائمة للبقاء والاستمرارية؛ وربما يتحسن الوضع فى حال نجاح المسار الذى تتبناه الحكومة بإعادة التصنيف بين معتدلي الحركة التي تمثلهم جاكلين مورو الداعية الى العمل على خوض الانتخابات البلدية في الأشهر المقبلة، وبين راديكاليين تمثلهم بريسيليا لودوسكي التي أطلقت الشرارة الأولى وهي من أصول أفريقية في الثلاثين من عمرها رفضت منذ البداية لقاء اليمين المتطرف وتدعو إلى جمعية وطنية للمواطنين. وأيضاً بين راديكاليين آخرين يمثلهم إيريك دروايه وهو سائق نقل في منتصف الخمسينات من عمره تتهمه الشرطة برفض أي حوار وتفاوض مع الحكومة.
ومما لا شك فيه أننا لا نعيش في عالمٍ تسكنه الملائكة وتحكمه قلوب مفطورة على الحب وتمنّي الخير والسؤدَد والعيش الرغيد لكل بني البشر؛ نعيش في عالمٍ تأسّس على الظلم والعدوان وفيه يمكن أن نتوقّع دائماً خططاً ومُفاجآت من أطراف لانعلم عنها شيئا؛ والنجاة من تلك المؤمرات يكون بعقلَنة فكرنا السياسي وتحريره ؛والنظر الى بعض الأحداث بنظرية الشكّ النسبي والتعامل معها بالقياس العقلي لا العاطفى ؛ مع عدم إهمال الحجّة والقرينة والاستسلام للظنّ؛ وربط جميع الأحداث بعضها ببعض ؛ فما يحدث اليوم ربما كانت خيوطه الأولى حدثت بالأمس وتستكمل غدا!