نون والقلم

د. مصطفى محمود يكتب: الحرب في أوكرانيا أكثر قتامة ورعبًا

أصبحت الحرب في أوكرانيا أكثر قتامة ورعبًا، والآن فتحت جبهة جديدة على بعد أميال عديدة؛ داخل الحزب الجمهوري الأمريكي حيث يسعى أكبر لاعبوه للتخلي عن أوكرانيا وتركها لمصيرها.

إلى جانب الدمار الذي أدى إلى إطلاق كتلة من المياه الضخمة لدرجة أنه من الأفضل تخيلها ليس كخزان بل بحيرة كبيرة. والنتيجة كانت فيضان أغرق مساحات شاسعة من الأراضي، مما أجبر الآلاف على ترك منازلهم والفرار للنجاة بحياتهم.

لكن الأخطار يذهب إلى أبعد من التأثير الفوري والمدمّر على الأشخاص الذين يعيشون بالقرب منهم. لقد أصابت هذه الكارثة منطقة من الأراضي الزراعية الخصبة والغنية، نفس التربة التي جعلت أوكرانيا لفترة طويلة سلة غذاء للعالم: خامس أكبر مصدر للقمح على هذا الكوكب، مصدر الغذاء الذي يوجد فيه الكثير من إفريقيا ودول أخرى؛ وبالأخص منطقة الشرق الأوسط.

الآن هناك تحذيرات من أن حقول جنوب أوكرانيا يمكن أن «تتحول إلى صحاري» بحلول العام المقبل، لأن المياه التي احتجزها السد واللازمة لري تلك الحقول آخذة في التلاشي. سيكون لذلك تأثير على الإمدادات الغذائية وأسعار المواد الغذائية، مع تأثير بدوره على التضخم والاقتصاد العالمي.

لا يعني ذلك أن التأثير الدولي يمكن قياسه بالدولار والسنت فقط؛ أن مياه الفيضانات الملوثة تحمل الآن مياه الصرف الصحي والزيوت والمواد الكيميائية وحتى الجمرة الخبيثة من مواقع دفن الحيوانات. هذه المادة السامة ستسمم الأنهار وبعد فترة طويلة حوض مياه البحر الأسود. كل شيء مترابط في العالم. انفجار السد يلحق أضرارًا جسيمة بالجهود المستمرة لتحديد مواقع الألغام الأرضية وإزالتها في المنطقة. إنها «قنبلة بيئية للدمار الشامل»، كاخوفكا في نفس السياق مثل تشيرنوبيل.

بطبيعة الحال، تصر موسكو على أن هذا لم يكن عملاً روسيًا: وتقول إن الأوكرانيين فعلوا ذلك بأنفسهم. ومع ذلك، وعلى الرغم من استمرار التحقيقات، يجدر الانتباه إلى أن «روسيا كانت تمتلك الوسائل»، حيث كانت روسيا تسيطر على الجزء ذي الصلة من السد عندما بدا وكأنه ينفجر. كان الدافع وراء ذلك هو أن روسيا تخشى هجومًا مضادًا أوكرانيًا يستهدف استعادة الأراضي، والأرض المغمورة هي الأرض التي لا تستطيع الدبابات التقدم فوقها.

وهناك نمط السلوك، سجل الجرائم الماضية. فلم تمنع روسيا نفسها من استهداف البنية التحتية المدنية الأوكرانية على مدار الخمسة عشر شهرًا الماضية؛ كاخوفكا مجرد أحدث مثال وأكثرها وحشية.

في الواقع، فإن تدمير السدود لإحداث فيضانات جماعية لم يكن أكثر مما طالب به رؤساء روسيا الناطقون القوميون المتطرفون وطبقة النقاد التلفزيونيين منذ فترة. وللأسف اقترح أحد هذه الأصوات على موسكو أن تمنح سد كييف معاملة كاخوفكا وأن «تدمر المدينة بالأرض».

لا ينبغي أن يؤخذ النفي الرسمي على محمل الجد، بالنظر إلى تاريخ الكرملين في المعلومات المضللة والأكاذيب الصريحة. من الأفضل الحكم على روسيا من خلال أفعالها، وليس من أقوالها. إذن ما الذي فعلته روسيا لمساعدة أولئك الذين جعلتهم الفيضانات يائسين؟ كانت الإجابة سريعة وجاءت من وحدات المدفعية الروسية، التي أطلقت النار على ما يبدو على عمال الإنقاذ الأوكرانيين والأشخاص الذين تم إجلاؤهم أثناء محاولتهم الفرار إلى بر الأمان. إنها استراتيجية مألوفة من حرب موسكو في سوريا؛ بذلك ألم يتراكم على الألم، وبؤس على البؤس.

البعض يرى إن هذه علامة على ضعف روسيا، وأنها تلجأ إلى الأساليب البربرية لأنها تعلم أن اليد العليا لأوكرانيا، من نواحٍ رئيسية، ليس أقلها أنها تتمتع بدعم الغرب الموحد. هذا صحيح الآن. لكن هناك تهديد من داخل أقوى عضو في التحالف وهو أمريكا. فلا يزال دونالد ترامب المرشح الأوفر حظًا لترشيح الحزب الجمهوري لمنصب الرئيس.

وترامب صديق موثق جيدًا لـ فلاديمير بوتين ومتشكك في مزايا استمرار الدعم الأمريكي لكييف. عندما سئل على شبكة سي إن، لم يستطع الرئيس السابق أن يقول من يريد أن ينتصر في المنافسة بين روسيا وأوكرانيا، بين الغزاة والغزو. كما أنه لن يلتزم بتقديم المساعدة إلى كييف.. عند سؤاله عن تهم جرائم الحرب الموجهة إلى بوتين المتركزة على الاختطاف الجماعي المزعوم للأطفال الأوكرانيين ونقلهم عبر الحدود من أجل «إعادة تأهيلهم» كروس؛ رفض ترامب مرة أخرى إدانة «الرجل الذكي» في الكرملين.

لأن ترامب أعاد تشكيل الحزب الجمهوري على صورته، فإن هذا ليس خطرًا يقتصر عليه وحده. هناك أيضا حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، الذي ينظر إلى الحرب على أنها «نزاع إقليمي». بالطبع لا يزال معظم الجمهوريين في الكونجرس يدعمون أوكرانيا، لكن يمين الحزب قد انتقل إلى مكان مختلف.

تخوض أوكرانيا معركة عميقة من أجل بقائها كدولة مستقلة، ومن أجل مبادئ أكبر جوهرية للعالم بأسره؛ يجب أن تسود الحرية، ويجب ألا يسود هذا العدوان. لا يمكن لأوكرانيا أن تكسب تلك المعركة بمفردها. لا يمكنها أن تربح فقط بدعم من جيرانها الأوروبيين، وهو أمر غير كاف، رغم أنه ضروري. إنه يتطلب من الولايات المتحدة، عضلاتها وأموالها. ولكن أمريكا لا تفكر سوى في مصالحها دوما.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

زر الذهاب إلى الأعلى