اخترنا لكنون والقلم

د. محمد السعيد إدريس يكتب: بوتين وخطة ترويض أردوغان

كشفت القمة الثلاثية لدول ضامني «منصة أستانة» الخاصة بالأزمة السورية: روسيا وإيران وتركيا التي استضافتها العاصمة الإيرانية طهران الجمعة (2018/9/7)، عن فجوة في المصالح والمواقف بين روسيا وإيران من جهة وتركيا من جهة أخرى. كانت هذه القمة مخصصة لتنسيق المواقف بين الدول الثلاث بالنسبة للقرار الروسي- السوري بتصفية «بؤرة الإرهاب» في محافظة إدلب شمال سوريا التي باتت ملاذاً لكل فصائل المعارضة، المعتدلة والإرهابية منها. روسيا كانت متحمسة لعملية عسكرية لإنهاء أزمة إدلب وتسليمها إلى الجيش السوري ضمن قرار روسي يقضي بضرورة تمكين الجيش السوري من بسط سيطرته على كل الأراضي السورية، وأن هذا حق سيادي له.
وفي الوقت الذي كانت تدعم إيران هذا المسعى رفضته تركيا بشدة، وتقدم أردوغان بمقترحات أخرى ترمي إلى إطلاق يد تركيا في أمر إدلب ضمن مسعاها لفرض منطقة في شمال سوريا تتخذها درعاً لحماية الأراضي التركية من تهديدات ما تصفه ب «المنظمات الكردية السورية الإرهابية» وخاصة «وحدات حماية الشعب»، التي تعتبرها اليد السورية لحزب العمال الكردستاني التركي المعارض المتهم بالإرهاب من جانب تركيا.
قبل أن يذهب الرئيس التركي إلى طهران، كان قد التقى في أنقرة المبعوث الأمريكي الجديد المعني بالملف السوري جيمس جيفري (2018/9/4) بعد زيارة قام بها جيفري ل«إسرائيل» والأردن، وقد حمل معه عروضاً للأتراك تتضمن وقف مسار التعاون مع روسيا وإيران بشأن إدلب على أرضية التأسيس لتفاهم تركي مع الخطة الجديدة التي أعلنتها واشنطن (2018/8/18) بشأن تأكيد استمرار وتفعيل المشروع الأمريكي المناوئ لروسيا في إدلب، وهو المشروع الذي يتضمن ثلاثة مرتكزات، أولها إرباك الحل الروسي للأزمة السورية، وإنهاء أي علاقة للرئيس الأسد بمستقبل سوريا، وإخراج إيران كاملاً من سوريا.
المواقف التي أعلنها الرئيس التركي في قمة طهران كشفت للرئيس الروسي أن ثمة خطة ما تجذب أنقرة بعيداً عن «منصة أستانة» الثلاثية، وأن أطماع الرئيس التركي وطموحاته في سوريا ربما تدفعه للتقارب مع المشروع الأمريكي الجديد في سوريا الذي لا يستهدف فقط الوجود الإيراني، حسب ما كانت تطالب «إسرائيل» على مدى الأشهر الماضية، وعلى نحو ما تم التباحث فيه في قمة هلسنكي بين الرئيسين الروسي والأمريكي، بل تستهدف أيضاً الوجود الروسي برمته، وإعادة إرباك جهود روسيا لحل الأزمة السورية عبر لقاءات «سوتشي» و«أستانة»، وإعادة فرض مسار «جنيف» برؤى أخرى جديدة.
التشكك الروسي في نوايا الرئيس التركي ظهرت من خلال رفض أردوغان المطلق لما سبق أن أكدته موسكو من ضرورة تصفية «البؤرة الإرهابية» في إدلب، كما ظهرت في تمسكه بإبقاء الوضع على ما هو عليه بالمحافظة، وإعلان وقف لإطلاق النار، مع الدعوة لاستمرار فصل الإرهابيين «جبهة النصرة» عن باقي فصائل المعارضة المسلحة. كان واضحاً أن أردوغان يريد تفويضاً روسياً – إيرانياً بأن تتولى تركيا مسؤولية حل «أزمة إدلب» على النحو الذي يبقي تركيا قوة مسيطرة ومهيمنة في الشمال السوري، وتوظيف فصائل المعارضة المسلحة تلك كورقة ضغط تركية لابتزاز روسيا وسوريا للحصول على مكاسب سياسية في الشأن السوري وخاصة في محافظات شمال سوريا تحت ذريعة حماية الأمن القومي التركي من إرهاب المنظمات الكردية المسلحة.
إدراك الرئيس الروسي لخلفيات التشدد التركي في قمة طهران أكده مناخ التهديد والتحذير الغربي لروسيا وسوريا من أي عدوان يُشن ضد إدلب، هذه التحذيرات بشن عدوان مضاد على سوريا بدأت أمريكية ثم فرنسية فبريطانية وأخيراً ألمانية على نحو ما تكشف لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في لقائه مع نظيره الألماني هايكو ماس في برلين (2018/9/14). فقد فشل لافروف في إقناع وزير الخارجية الألماني بضرورة عدم مشاركة ألمانيا في عملية عسكرية محتملة في سوريا. من هنا جاءت خطته الاستباقية لإبعاد «شبح الحرب المضادة» التي تنوي الولايات المتحدة شنها مع حلفائها ضد سوريا لتكون مدخلاً لفرض المشروع الأمريكي الجديد الخاص بسوريا من ناحية، ومن ناحية أخرى لاحتواء الرئيس التركي و«ترويض» تمرده على الحليف، أو على الأقل الشريك الروسي، وهي الخطة التي أعلن التوصل لها في القمة الثنائية التي عُقدت بين الرئيسين الروسي والتركي (2018/9/17) بمنتجع سوتشي الروسي.
فقد تم التوصل في قمة سوتشي الثنائية إلى «خريطة طريق» تبدد خطر معارك دامية في إدلب عن طريق تأجيل الحل العسكري، وإقامة منطقة منزوعة السلاح بموافقة دمشق على خط التماس بين مناطق سيطرة الجيش السوري والمعارضة، التي ألزمتها هذه الخطة تسليم سلاحها الثقيل. وأوضح الرئيس الروسي في مؤتمره الصحفي مع نظيره التركي أن إقامة هذه المناطق سيبقى حتى 15 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، إضافة إلى تسيير دوريات للقوات التركية والشرطة العسكرية الروسية في هذه المناطق، وكشف بوتين أن الاتفاق ينص أيضاً على سحب مقاتلي المعارضة ذوي الاتجاهات المتشددة بما فيها «جبهة النصرة» والأسلحة الثقيلة ومدافع الهاون حتى 9 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وفتح طريق «حلب- اللاذقية» و«حلب – حماه».
بوتين أعطى لأردوغان مسؤولية تصفية التنظيمات الإرهابية، وأعطاه ضوءاً أخضر كان يريده للانخراط في محاربة «الإرهاب الكردي»، لكنه ألزمه بأن يكون طرفاً داعماً للمشروع السياسي الروسي في سوريا، وأبعده عن الانخراط في المشروع الأمريكي ليبدأ من جديد إعادة تفعيل المشروع الروسي في سوريا، لكن ربما بقواعد جديدة تجعل روسيا أقرب إلى إيران من تقاربها مع «إسرائيل» وواشنطن.

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى