نون والقلم

د. عادل رضا يكتب: ميانمار.. المحطة الأولى في صراع الأقطاب

لا يوجد شي في السياسة يحدث بالصدفة، والانقلاب العسكري الذي حدث في ميانمار من المستحيل أن يكون حدث دون إعداد مسبق. وخصوصا أن هناك تغيير قبل قرابة الشهر في الرئاسة الأمريكية.

والانقلاب الذي حدث في ميانمار لا يمكن أن يكون فجائي من دون إعداد مسبق، لذلك تحركات مثل هذه يجب دراستها وتحليلها وتقييمها لمعرفة ماذا يجرى؟ وما خلف اللعبة؟ وما بين السطور؟ من كلام ممحي!

ميانمار بلد يقع ضمن محيط الصين وتحرك الرئيس المنتخب الحالي بايدن استعجاليا وفي سرعة ملحوظة في بداية حكمه للاهتمام بهذا البلد!؟ ضمن صراع تريده «المنظومة الأمريكية الحاكمة». وبايدن الرئيس الحالي هو «الابن المطيع لها» وهو ممثل عنها ومنتوج منها ومعبر عما تريده تلك المنظومة. على العكس من الرئيس السابق ترامب الذي فرض نفسه على منظومة الحكم الأمريكية الكلاسيكية، و الذي نظر إلى التعامل مع الصين من زاويتين:

الأولى اقتصادية بحتة و الزاوية الأخرى هي ضمن خطابه الدعائي العاطفي الذي يبحث عن شماعة لعدو يخلق المشاكل. أو سبب يتم القاء اللوم عليه.

ولكن من هذه الزاوية و تلك فإن المسألة عند ترامب أنه لا يريد أن يكون «شرطي العالم». و كان ترامب في موقع «الشخصية القومية الأمريكية» إذا صح التعبير بعيوبها ومزاياها من منظور أمريكي بحت. و كان يريد التركيز على الداخل الأمريكي المتهالك والمتفكك.

و نستطيع القول أن ترامب قد واجه الصين اقتصاديا ولكنه كان ضد التوسع الأمريكي!؟ الخارجي ويهتم بالداخل الأمريكي ولم يدخل في أي حرب «مستمرة» طويلة. وكذلك خلال فترته الرئاسية كانت الأمور غير طبيعية لأن وصوله إلى الموقع الرئاسي منتوج رفض شعبي وغضب جماهيري على «منظومة الحكم الأمريكية».

وترامب كما ذكرنا بالأعلى هو خارج كلاسيكيات ما تنتجه منظومة الحكم من رؤساء وسياسيين، فاللوبي الصهيوني يتحكم بالحزبين وسيضع مصلحة الكيان الصهيوني قبل كل شيء، وبعد خروج ترامب من السلطة اتضح أن هناك عودة لما تريده المنظومة الحاكمة والتي تأخذ الإمبراطورية الأمريكية إلى الانهيار!؟

حصل في ميانمار «انقلاب عسكري» في بداية تولى الرئيس الحالي بايدن لموقعه الرئاسي ولنلاحظ تفجر الإدانات الدولية المعتادة من حلف الناتو والتهديد بعقوبات دولية أوروبية شمال أمريكية وأسترالية!؟ ضد قادة الانقلاب و دعوات إلى حظر دولي. ونفس هذه الدول التي هي ضمن خط النظام الطاغوتي الربوي العالمي هي نفسها من صمتت على قتل ديمقراطيات أخرى في مواقع مختلفة في العالم بالحاضر القريب. و هي من سمحت في انقلاب عسكري هنا و هناك في الاستمرار في السلطة وقدمت لهم الاعتراف الدولي والمساعدات الاقتصادية و ابتعدت عن العقوبات أو معاقبة شخصيات تلك الانقلابات المتنوعة.

و هي نفس «شلة» الدول بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي صنعت انقلابات عسكرية في إيران العام 1953 ضد حكم مصدق الديمقراطي و تأمرت ضد حكم سلفادور اليندي الديمقراطي، و هي نفس «شلة» الدول التي دعمت  ديكتاتور إسبانيا «فرانكو» صاحب ثاني أكبر مقابر جماعية في تاريخ البشرية ويليه بالمرتبة «صدام حسين» الذي كان مدعوم في الثمانينات من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لضرب عصفورين بحجر واحد. الأول هو ضرب الشعوب العربية القومية والثاني هي الجمهورية الإسلامية المقامة على أرض إيران. إلى أن اختلف «صدام حسين» معهم وأتت أكذوبة «أسلحة الدمار الشامل» كحجة لغزو العراق وتدميره كدولة ومجتمع وهذا ما حصل وتحقق.

هذه «الشلة» من الدول في خط النظام الطاغوتي الربوي العالمي ليست المسألة عندها هي ديمقراطية مفقودة أو حقوق إنسان سليبة أو نضال رومانسي من أجل حرية!؟

فهؤلاء «الذئاب» لا يركضون عبثا بدون سبب ولا ينادون في الحرية والديمقراطية إلا لأن هناك شيء ما وراء السطور، ولأن هناك أشياء خلف الأعشاب الطويلة من أمور وأحداث وأهداف تخدم هذا النظام الطاغوتي الربوي العالمي و «شلة» دوله.

رئيسة وزراء ميانمار المقالة «أونغ سان شي» والتي تم إخراجها من مواقع السلطة بواسطة الجيش الميانماري، هي شخصية لها علاقة طويلة مع الغرب «الليبرالي»، وهي التي تم اعتبارها من هذا الغرب. ك«أيقونة حقوق الإنسان»!؟. هي نفسها من أيدت المذابح الجماعية ضد مسلمين الروهينجا وطردهم من ماينمار، وهي ذاتها من ساندت تصرفات الأجهزة الأمنية الميانمارية وممارسات القتل الجماعي والاغتصاب الجنسي للنساء وعمليات التطهير العرفي والقتل على الهوية الدينية، وممارسات التعذيب والقتل خارج نطاق الحكم القضائي، وهذا كذلك تم في عهد توليها المسئولية السياسية.

رئيسة الوزراء المقالة «أونغ سان شي» الحاصلة على جائزة نوبل للسلام !؟ من الغرب أيدت كل هذا؟

هل المسألة عند النظام الطاغوتي الربوي العالمي هي الحفاظ على حقوق الإنسان!؟ بقيادة «أونغ سان شي» أم أن هناك أمر آخر؟ وموضوع مختلف؟

لنلاحظ أمور مهمة حدثت بعد الانقلاب العسكري للجيش الميانماري. ومنها أن «الصين» خرجت في تصريح جامد لا يأخذ جانب أي طرف.

وكذلك استقبال قائد الانقلاب الحالي «مين أونج هلينغ» لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. قبل حدوث الانقلاب وكذلك استقبل وزير الخارجية الصيني.

وعلينا أن نعرف كذلك أن علاقة الروس مع الجيش الميانماري ليست علاقة جديدة أو طارئة أو حدث عابر، وكذلك علاقة ميانمار «الدولة» و «الجيش» مع الصين فيها تفاصيل، ستجعلنا نقرأ الحدث بواسطة عين النباهة القرأنية بعيدا عن الاستحمار الشيطاني.

الروس لديهم علاقات متميزة مع الجيش الميانماري من خلال صفقات السلاح المستمرة المتواصلة. وكذلك التدريب العسكري للضباط الذين جزء كبير منهم يتحدث اللغة الروسية بطلاقة.

والصين وروسيا كذلك منعا تحرك أو استغلال الأمم المتحدة عبر حق الفيتو فيما يختص الانقلاب العسكري في ميانمار.

أهمية ميانمار هو وجودها ضمن الجغرافيا المحيطة في الصين، وهي ضمن خط وصولها إلى المحيط الهادي في السنوات الأخيرة، حيث أبرمت الصين صفقات تطوير، بما في ذلك خطط لبناء خط قطار يربط أراضي الصين الواقعة غربًا إلى المحيط الهندي، واتفاقية تطوير ميناء المحيط الهندي إلى مركز شحن مزدحم، وهذا من الواضح هو سر الاهتمام الأمريكي بها منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وهو العهد الذي انطلقت منه مسألة «نقل الاهتمام الإمبراطوري الأمريكي» إلى الشرق الأقصى أي «الصين» وروسيا. وهو الأمر الذي تم «لخبطة» التحرك فيه في عهد ترامب و تمت إعادة العمل بها بعد تنصيب بايدن.

ومن هذا كله نستنتج أهمية ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك «هيلاري كلينتون»، حين وصفت ميانمار ك «جزء من استراتيجية أكبر»!؟ وكذلك لكي نعرف سبب زيارة باراك أوباما الرئيس السابق لهذا البلد.

في تفاصيل النظام الحاكم وطبيعة التاريخ الميانماري إذا صح التعبير هناك فترتين للحكم، الأولى عسكرية بحتة امتدت إلى نصف قرن. وبعدها فترة ديمقراطية ذات طابع ليبرالي امتدت إلى عشرة سنوات توقفت مع الانقلاب العسكري الحالي.

ولكي نفكر بعقولنا علينا أن نعرف أن «مؤسسة الجيش» حتى في فترة الحكم الديمقراطي العشارية السنوات في ميانمار كان لهذا الجيش ممثليه في البرلمان، والسؤال المطروح هنا لماذا هذا الانقلاب حدث؟ والجيش نفسه لديه نفوذ وهيمنة في ظل هذا النظام الديمقراطي، فعلى مستوى السيطرة والاستفادة والهيمنة، فإن الجيش مشارك ولديه «قدرة» و «قرار» فماذا حدث؟ وماذا جرى؟

لنلاحظ أن فترة الحكم الديمقراطي العشاري السنوات في ميانمار. ازداد داخل هذا البلد نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ظهور بايدن في السلطة جرى تحرك الجيش؟

هل هو تناقض «صيني» «أمريكي» على أرض ميانمار؟ هل هو توظيف «أدوات» ضد «أدوات»؟ أم هو تحرك احترازي من قبل الجيش لوقف أي تحرك عدائي من إدارة بايدن؟

ردة الفعل الأمريكية على هذا الانقلاب «الطارد لنفوذها» في ميانمار هو تحريك قيامها بتحريك مواقع قوتها المتواجدة داخل ميانمار، وهنا نلاحظ تحريك «ثورات الألوان» color revolution كردة فعل على الانقلاب العسكري، وتم استخدام نفس كلاسيكيات ثورات الألوان التي كان يتم تدريبها لعملاء وجواسيس الولايات المتحدة الأمريكية في معهد ألبرت اينشتاين التابع لـ «جين شارب» المؤسس لثورات الألوان.

وضمن الواقع الداخلي الميانماري هناك إمكانية كبيرة لتوظيف أطراف كثيرة مسلحة ضمن صراع عرقي ديني مناطقي موجود بالأساس هناك، وهو صراع متداخل على أرض ميانمار، وماذا لو إذ قررت الولايات المتحدة الأمريكية شن حرب عسكرية بالوكالة وتوظيف مليشيات مسلحة ضد السلطة العسكرية الحالية المرتبطة مع النفوذ الصيني؟

في الجمهورية العربية السورية تم تفعيل ثورات الألوان هناك. وحين استوعبتها الدولة بنجاح ولم تجد لها امتداد شعبي يستطيع إسقاط الدولة هناك. قام حلف الناتو والصهاينة في تسليح عملائهم وجواسيسهم من كل أنحاء العالم. فهل سنشاهد تكرار للسيناريو السوري مرة أخرى في ميانمار؟

إذن هناك احتمالات كثيرة؟ فماذا سيحدث؟ وماذا سيجري على أرض الواقع الميانماري في المستقبل؟

هذه أسئلة تحتاج إلى إجابة وسنستطيع الإجابة عليها إذا عرفنا تفاصيل كاملة. بادين مع الرئيس الصيني «شي جين بينغ» التي تم الإعلان عنها. والتي أيضا استمرت لمدة ساعتين حسب تصريحات وسائل الإعلام !؟ وهذه التفاصيل والمعلومات تحتاج إلى جهاز استخباراتي. وحالة جاسوسية احترافية تخترق الصين أو الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسساتهم. لكي تزودنا في التفاصيل والمعلومات ونصوص المحادثة الهاتفية.

وهذا الجهاز الاستخباراتي وذاك الاختراق الجاسوسي ليس متوفر لدى كاتب هذه السطور بطبيعة الحال. فالمعرفة والمعلومات مفقودة التي إن عرفناها وكشفناها. فمن خلالها ستتضح الأمور ونستطيع استنتاج و «كشف» عما هو متوقع أن يحدث في المستقبل.

إلا إذا قرر أحد أطراف المحادثة التلفونية الطويلة تسريب ما جاء بها أو نشر ما تقرر فيها؟

هل حدث توافق أمريكي صيني أو إزداد التناقض؟ هل جرت تفاهمات؟ هل تمت مقايضات سياسية في منطقة جغرافية في العالم مقابل منطقة أخرى؟

الإجابة لا أعرف.

ولكن ما وصلت إليه أن ما حدث في ميانمار هو محطة في صراع الأقطاب. وهو صراع إمبراطوري أمريكي ضد النفوذ الصيني والروسي. وما التحرك السريع بعد تنصيب بايدن إلا دليل. ولندع التواريخ الرسمية تتحدث؟ كما جعلنا الأحداث والمنطق وقراءة التاريخ تكشف لنا رقعة شطرنج «صراع الأقطاب». الحاصل في ميانمار وهي محطة أولى من محطات قادمة.

طبيب باطنية وغدد صماء وسكري

كاتب كويتي في الشئون العربية والإسلامية

 –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى