د. عادل رضا يكتب: حاكمية القرآن والعروبة
في الخطاب العربي المعاصر هناك غياب لمشروع يريد أن يقاوم خروج العرب من التاريخ.. كل التاريخ إلى خط أخر معاكس يريد أن يكون موجود في خط صناعة الابداع الفردي والنهضة المجتمعية وهذا ما هو مفقود في خطاب من هم مستثقفين أو أدعياء للثقافة وحملة الشهادات الفارغة من التأثير.
هؤلاء الذي لا نراقب لهم إلا مقابلات كلامية لا يفهمها أحد!؟ ضمن خطاب طلاسمي لا يعرف محتواه حتى الجن!؟ ولا نشاهد غير تلك الطلاسمية السحرية إلا طباعة كتب ضمن نفس المحتوى والأغلب الأعم منها تنطلق من قراءات المستشرقين لتاريخنا العربي والإسلامي وهي قراءات «مؤامرة» أو قراءات دس السم في العسل إذا صح التعبير ومن هم ساقطين حضاريا أمام «الغرب الاستعماري» ومن هم يريدون العيش ك «مقلدين» له أو أتباع بغبغائيين لديه ينطلقون من تلك القراءات التأمرية المشوهة إما عمالة أو من باب السذاجة الفكرية واستهلاك ما يتم تقديمه لهم من أفكار المستشرقين.
رغم أنه من المفروض أنه يوجد لدينا «نظام قيم» يصنع لنا شخصيتنا ووجودنا وهو الحماية الذاتية لنا من أي «غريب» «خارجي» يريد أن يدمر ما لدينا من «نظام قيم» وهذه ليست دعوة للانغلاق أو الحصار الذاتي أو التكلس أو التقوقع بل هي للحفاظ على خصوصيتنا القومية العربية والدينية أمام الآخر. لنكون «ذات» تحاور «ذات» أخرى و «عقل» يتناقش مع «عقل» مختلف. وتجربة تشارك الآخر.
وهذه الثنائية القومية العربية والدينية هي أساس وقاعدة لنا نواجه بها مشاريع الآخرين السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ضدنا وهي كذلك قاعدة للحوار الثقافي والتفاعل مع ثقافات الآخرين وثبات القاعدة وأساسياتها هو ما يمنع «الفوضى الفكرية» ويحافظ على الهدف الأساسي لنظام قيمنا وهو صناعة إنسان عربي خالق للأبداع الفردي ومجتمع حضاري تنموي حقيقي.
إن استيراد طقوس دينية لمجتمعات حضارية صنعت واقعها التنموي «علمانيا» إذا صح التعبير لن يجعل منا نحن «العرب» حضاريين وتنمويين نفسهم بل نحن بهذا التقليد الأعمى سنكون «قشريين» نمارس ما ليس لنا وما لا ننتمي إليه وما هو ليس ضمن واقعنا العربي.
إن الأطراف الفاقدة لأي مشروع تحت أي يافطة تزعمها إسلامية قومية يسارية فوضوية… الخ هي تلتقط جدليات «هل أنت مع؟» أو «هل أنت ضد؟» لصناعة محاور الفراغ الكلامي وتضييع الوقت في اللاشيء. وأيضا الدخول في صراعات إعلامية أو جدلية وربطها بمصطلحات فخمة باللفظ. ولكنها فارغة في المضمون ك «التنوير» أو «الحداثة» أو «العصرية». وهي مصطلحات فخامة إذا صح التعبير يستخدمها من يعيش «سقوط ثقافي» أمام الآخر البعيد عنا والغير منتمي إلينا والذي لا نعرفه ولا يعرفنا وليس له علاقة أو ارتباط مع قاعدة القيم الخاصة بنا.
الحضارة الحقيقية ليست في ممارسة «طقوس» الآخر وعاداته وسلوكه. بل الحضارة هي أن ننطلق من نظام قيمنا نحن لصناعة الفرد والمجتمع بما يصنع التنمية الاجتماعية والاقتصادية ويحافظ على الأمن الذاتي.
أما الفذلكات الكلامية ومصطلحات الفخامة هي لأدعياء الثقافة والمستثقفين. الذين لا يصنعون إلا جدليات تتكرر كل سنة ولا تنفع أحد إلا بما يخدم التسلية والكلام من أجل الكلام.
من ناحية أخرى يتم ابعاد «حاكمية القرآن الكريم» وحركية النصوص التطبيقية على واقعنا المعاصر الحالي. من خلال دراسة ظروف التنزيل وتاريخها وأيضا علاقتها بما نستطيع أن ننفذه منها على أرض الواقع الحالي.
إن «حاكمية مهمة» علينا كمسلمين وك «عرب» يتم تغيبها في مقابل تقديس ما هو ليس مقدس وما هو ضد «حاكمية القرآن الكريم» وأول تلك الأمور هي المذاهب الدينية والطوائف والتي تمثل حاليا جماعات دينية مغلقة متكلسة متوارثة تخالف نصوص واضحة للقرآن الكريم تلعن وترفض تقسيم الدين الإسلامي الرسالة الكاملة المقدسة للبشرية وأيضا ترفض «حاكمية» القرآن الكريم تسمية تقسيمية مخالفة للمسلمين.
«وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ».. سورة الحج اية 78
«شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» الشورى ايه 13
«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» ال عمران اية 103
«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ» سورة الصف اية 4
إن صناعة المشروع النهضوي العربي يتطلب مجهود في التفكير والتخطيط والعمل في خط وراثة أدم وهذا هو التكليف الشرعي والقومي. ولكن ما يحصل الآن هو بعيد عن حاكمية القرآن وعن نظام قيمنا ومن يؤسس لنا «الشخصية» أمام الآخرين.
أما العروبة فهي واقع نعيشه في ظل تقسيم استعماري وهي موجودة قبل هذا التقسيم. واستمرت كشعور وكانتماء بعيد عن عنصرية الذات الدموية العشائرية. لأنها قومية «لغة» وقومية «أرض» و«حضارة» و«دين» و «عادات وتقاليد». رغم أن هناك مشروع دولي معادي لكل ما هو عربي «مستقل». عن التأثير الغربي الاستعماري التأمري وبعيد عن النظام الربوي الطاغوتي الذي يريد ولا زال يهدف إلى السيطرة. وهو للأسف الشديد لا زال المسيطر والمهيمن والحاكم على الواقع العربي الخارج من صناعة أي تأثير على التاريخ. والبعيد عن التنمية الحقيقية وصناعة ابداع الفرد ونهضة المجتمع. وبعيدا عن مشاريع «الاستقلال» و«الحرية الحقيقية» كما هي موجودة عند أخرين في العالم يريدون الخروج عن سطوة وتسلط النظام الربوي الطاغوتي العالمي الممثل في حلف الناتو وهو الأداة العسكرية الأمنية الضارية لمجمل هذا النظام الطاغوتي.
هناك عروبة ضد العروبة!؟ كما هناك إسلام ضد الإسلام!؟ وهنا يأتي دور النباهة والوعي والقدرة على صناعة حالة تفكير لدى الفرد العربي وعند المجتمع العربي. كذلك لكي يتم تحقيق حالة من الذكاء المجتمعي المنطلق من اهتمام الفرد والمجتمع في حركة واحدة تريد الاستقلال. وصناعة نهضة عربية جديدة ذات مشروع وذات أهداف وصاحبة شعارات وخطط تطبيقية على أرض الواقع. لكي نعود كعرب ومسلمين إلى دورنا المفقود منذ غيابنا عن التغطية.
طبيب باطنية وغدد صماء وسكري
كاتب كويتي في الشئون العربية والإسلامية
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية