د. صلاح سلام يكتب: الخلطة السحرية
كان عبد الحليم حافظ هو الموديل الذي يلهم الشباب سواء في ملابسه أو قصة شعره، كما كانت أغانيه هي دستور الحب الذي انتهجه كل شبان وفتيات العالم العربي.
وفي السبعينات كانت موضة الشعر الطويل والبنطلون الشارلستون.. ونظرا لأني كنت من أصحاب الشعر الأكرت فقد انتشرت بين الشباب موضة فرد الشعر ولكن لم يكن في مدينتنا البسيطة الصغيرة «العريش» ذلك الصالون الذي يقوم بهذه المهمة.
كنا أحيانا نذهب إلى غزة لصالون بحي الرمال أمام سينما النصر بشارع عمر المختار فيقوم بالمهمة ثم عمل سيشوار فتخرج منه مزهوا طائرا تريد أن تقوم بأداء دور البطل في أحد الأفلام الرومانسية أو تغرد صادحا بأغاني العندليب الأسمر التي تهز وجدان الحجر في زمن شحيح العواطف مغلق محافظ برغم انفتاح مدن الكيان الإسرائيلي المحتل على مصراعيها تصخب بكل ألوان المجون.
ولم يكن الأمر صعبا في الوصول إليها.. ولكن كان حال الناس «لكم دينكم ولي دين» فظلت المجتمعات العربية المحتلة تحتفظ بقيمها ومبادئها وعاداتها وتقاليدها.
ونظرا لأنه من الصعب تكرار رحلة غزة إلى ذلك الصالون من حين لأخر فقد كان البعض قد أخذ الخلطة السحرية لعملية فرد الشعر ومنهم ابن خالتي «سعيد» وكان قد توقف عن التعليم وأصبح يعمل في الداخل الفلسطيني في مهنة المحارة إلى أن أصبح «معلم» وفي إجازته الأسبوعية كان يمارس هوايته بعمل الخلطة وهي عبارة عن نشا مع صودا كاوية.
ونظرا لأنه كان يتعامل معها كأنها خلطة محارة فلم يكن يحسبها بالمقادير فأحيانا تكون خفيفة فتقوم بمهمة فرد الشعر دون تقرح بفروة الرأس وأحيانا العكس.
فكانت أمي الحاجة وهيبة «ياسمين» تقوله «أنت يا خالتي زي اللي بيتعلم الزيانة في روس الحزانا» وكلما أذهب لأقص شعري أتذكر سعيد رحمه الله حيث هناك جزء شبه فارغ في مؤخرة رأسي وهو غير موجود في كل إخوتي وأنا أصغرهم ولكنهم لم ينعموا بالأنامل الذهبية لصالون «سعيد» وخلطته الحارقة، والتي لم تكن لتجعل الشعر حرير عالخدود يهفهف ويرجع يطير.. كقول عبد الحليم، ولكن هي «الموضة».
وعندما أرى بعض صوري الفوتوغرافية وأبناء جيلي أضحك كثيرا من هذه الأشكال العجيبة ولكن ظهرت بعد ذلك موضات كالهيبز وهي الأسوأ إلى أن وصلنا إلى زمن الجينز المقطع الذي لم يكن يخطر ببال أحد أن يراه في الجامعات والشوارع وعلى الشاشات يرتديه فنانون ومطربون وأشكال لقصات الشعر كانت بالأمس مثارا للضحك.
كل هذا أصبح موضة واللا معقول أصبح عادي حتى ألفاظ اللغة ما كان عيبا أصبح لغة دارجة.. وذهب زمن عبد الحليم بشعره الأسود الطويل وجاء زمن له كل يوم ترند ورقصة وألف قصة شعر لكنها لا تشبه ذلك الزمن الـ«سعيد».