نون والقلم

د. سمير محمد أيوب يكتب: حكايةُ الحُبِّ وبعضُ ما فيه

في ظل التحولات التي تطرأ يوميا، على الحياة بشكل عام، لم يعد الحب كأسلوبِ حياةٍ عملا ارتجاليا، وإن انطلق تلقائيا. بل بات أعمالا معقدة . تنطوي على خطواتٍ، وإجراءاتٍ كثيرة متطورة .

لابد لكل مُحِبٍّ، أن يكون على وعيٍ كاملٍ بِها . والتعاملِ معها بِوَصفِها مهاراتٍ، تَتخذ من العلم ومن الذوق وحسن الفطن مُتَّكَئاً،لا بوصفها هوية يقدر عليها الجميع .

الحب بَعدَ ثُلُاثيِّ الغُولِ والعنقاءِ والخلِّ الوفي، هو ثامنُ المستحيلات . عالَمٌ شديدُ الثراء والتنوع،  وشديدُ التشابهِ أيضا. روحه واحدة، وأزماتُه هي الأخرى واحدةُ الجذرِ، متنوعة الأغصان .

صحيحٌ أنَّ المُحِبَّ ليس بعيدا عن مجتمعه، وليس مُشاهِدا خارجيا للحياة فيه، بل مُتفاعلٌ ومُتصارِعٌ معها . ولكن الحب وإن توافقَ مع المجتمع وإشكالياته، يبقى حالة استثنائية. الفردانيةُ فيه هي أساسه، المتوافق مع الملامح الذاتية للفرد، النابعة من  تجربته الحياتية، وثقافته وإنحيازاته الجمالية والمعرفية.

لا يوجد ما يمكن أن نُسَمية بِطُمأنينة كافية، سببا لِحُب . تتجاور المشاعر وتتجانس عادة، ثم تتوافق وتتفاعل وفق الفطرة. وفي إطار الممارسة اللحظية، يأتي الوميض. وبعدها قد يطفو دور العقل، والتثقيف والنصح، لهندسة العلاقة وتأثيثها .

على الفرد الذي يأخذ أمرَ مشاعره بجدية، أن يعرف الطريق بمفرده، أن يتحسس الحب بقلبه، وأن يتذوقه بكل حواسه العشرين . وأن يدرك بمجسات عقله الفوارق، في الأساليب واللغات المستخدمة في التوصيل وفي التمويه، ووسائل البناء على مشاعره وحواسه المعلنة والمكتومة .

ولكن، هل يمكن تَعَلُّمُ الحب، ومهارات الإبداع  فيه ؟

بالتأكيد هناك قلب يستشعر ويومض . لكن هناك بعد ذلك، عقلٌ حَيْسَبونٌ، له حق التدخل في المساقات، بالتعديل والإضافة والحذف. فنظام المشاعر بجنونه العاقل ، قائم على الإبداع، في تنسيق إرتطامات وصراعات، كل جدل قد ينشب بين عقل وقلب .

التعليم والمشورة هنا، لا تُقدم وصفات جاهزة، تُحَوِّلُ شخصاً بلا مشاعر حقه، أو مواهب تواصل، إلى مُحِبٍّ أو عاشق حَذِقٍ . وُرَشُ التعلم، قد تساعد عقلَ من رُزِقوا المشاعرَ النبيلةَ، ولديهم الرغبةُ والموهبة، في أُن يُتْقِنوا مُمارسةَ الحب . عبر التعرف على وسائل تقنية تنفيذية، للتركيز على الخصوصيات، وفي إيجاد عناصر القوة والضعف، وبنفس الوقت العمل علي التقنيات الشخصية وتفعيلها، لتجاوز محطات البدايات، لا مجرد تقمص لنموذج، والسير وفق نظامه الفني، ومقتضياته الجمالية .

اختلال المعايير، ناتجٌ مُشَوَّهٌ عن خلطِ حابلِ القلب بنابل العقل . هذا الخلط العشوائي غير المُسَيطر عليه، كفيلٌ بأن يُنتجَ غباراً من حُب، أو أضغاث أحلامٍ موهومة . فإذا لم توجد المشاعر، والرؤية الخاصة والوعي،  ستكون المشورة أشبه بدورة تثقيفية . تُنتج متذوقين جيدين للحب، وليس مُحِبين .

  tF اشترك في حسابنا على فيسبوك  وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى