نون والقلم

د الشيماء أبو الخير تكتب: الجامعات الخاصة..مابين التربح والتميز العلمي

شهدت السنوات العشر الأخيرة في مصر إقبالاً كثيفاً من الطلاب على الجامعات الخاصة في كافة التخصصات بلا استثناء، الأمر الذي جعل هناك زيادة واضحة في أعداد المقبولين كل عام وعند البحث عن أسباب تلك الزيادة قد لا تجد أي سبب يتعلق بسوق العمل أو سد العجز في قطاع معين يعانى من البطالة لكن الأمر يتعلق بالدخل فيما يتعلق بالجامعات وبالجودة والتنوع بالنسبة للطلاب.

فالتكلفة المرتفعة نسبياً لم تعد عائقاً أمام الطالب ولا أسرته بقدر ما يعنيه وجود معايير للقبول أكثر مرونة تتمثل في  تنوع التخصصات المختلفة وعدم التقييد بمجموع كبير فيمكنه الالتحاق بالكلية دون شرط المجموع كالجامعة الحكومية، ووفرة كبيرة في الفصول الدراسية كالمدرجات والمعامل المجهزة بأحدث نظم التكنولوجيا والمناهج الدراسية المعدة على أيدي خبراء وقد يكون منهم أجانب، بالإضافة إلى توفير أماكن إقامة فندقية ومجهزة بأحدث أساليب الراحة.

وبالتزامن مع تدفق الطلاب على الجامعات الحكومية في مصر هناك أعداداً هائلة تشق طريقها في البحث ما بين المعاهد والكليات منها الأجنبي ومنها العربي، فهؤلاء لديهم الوعي الكافي بافتقاد التعليم الحكومي لأهم عناصر الجودة في التعليم، الأمر الذي يبرهن على عملية الاختيار الصعب مادياً مهما بلغ ارتفاعه.

فالجامعات الخاصة تفتح المجال أمام طلابها للتفاعل علمياً وعملياً على أرض الواقع وتوفر الإمكانيات هو ما يدعم هذا الأمر فضلاً عن إفساح المجال للكثيرين لتنمية مواهبهم داخل الجامعة وتنمية مهاراتهم العلمية والعملية بالتدريب المستمر حتى في فترة العطلات والتنسيق مع الخبراء الأجانب في مجالات الطب والعلوم والهندسة ومحاولة فتح ورش عمل متنوعة وعدد من الكورسات العلمية، ويتم منح الطالب شهادات معتمدة عن اجتيازه تلك الفترات التدريبية،  ناهيك عن الجانب الترفيهي بتنظيم الرحلات المختلفة للأماكن السياحية.

كل ما سبق شيء رائع لكن  ثمة تساؤلات تدور في الأذهان ماذا عن التميز الحقيقي؟ هل مستوى الخريجين يعد مؤشراً  لتوفر معيار الجودة في تلك الجامعات؟ ونحن هنا نقصد جودة عملية التعليم وجودة المناهج ذاتها  وكفاءة الخريج علمياً وعملياً،وما السبب في وجود انطباع سيء عن خريجي تلك الجامعات؟

الإجابة تتلخص في عدد من النقاط :

أولاً: من ناحية الهدف الأساسي من التحاق الطالب أو سعي الأسرة لتعليم أبنائهم في الجامعات الخاصة فالأمر هنا يتعلق بالطالب ذاته فلو كان الهدف مجرد الحصول على لقب دون مراعاة الاستفادة العلمية أو التطبيقية فستجد هناك نوعاً من اللامبالاة، ومن المؤسف القول أن بعض الطلاب يلتحقون بالجامعات الخاصة فقط  لفشلهم في الالتحاق بنفس الكلية بالجامعات الحكومية دون أي تحديد للهدف، أيضاً قد تجد بعض الأسر المقيمين في الخارج يفضلون إلحاق أبنائهم بالجامعات الخاصة لعدم قدرتهم على تعليمهم في الخارج فلا خيار أمامهم سوى تلك الجامعات، فضلاً عن توفر المنح الدراسية المختلفة.

ثانياً: على صعيد الجامعة ذاتها فحتى لو كان الهدف الأسمى هو الربح المادي لكن هناك الكثير من الجامعات الخاصة التي تعير اهتمام قوى بتحديث المناهج بأحدث طرق التعليم على أيدي متخصصين في وضع المناهج وطرق التدريس المتقدمة والمتنوعة، ولذلك يمكننا القول هنا أن بعض الجامعات لا يكون غرضها فقط تربح المستثمر لكن إلى جانب ذلك تسعى لتوفير عملية تعليمية تحظى بمعايير الجودة.

ثالثاً: بصرف النظر عن الجودة والتكلفة فأعداد المتقدمين للجامعات الخاصة في نمو متزايد رغم التكلفة الباهظة، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة إلا أن عملية البحث عن نظام تعليمي لائق في ظل ازدحام النظام الحكومي وافتقاده للتنوع في أغلب المجالات تظل هي الدافع الأساسي للإقبال على التعليم الجامعي الخاص، وهذا ضمن الأسباب التي جعلت الدولة تقرر وضع تلك الجامعات تحت رقابتها.

رابعاً: فيما يتعلق بالطالب فالجامعات الخاصة تضم نوعين من الطلاب المصريين وهؤلاء هم ذاتهم  بقدراتهم الموجودين بالجامعات الحكومية، كما تضم عدداً من الطلاب الأجانب الذين  يجدوا فيها فرصة عظيمة لتحقيق ذاتهم في بعض الأنشطة الجانبية للدراسة، لكن قد لا يلتزم البعض منهم بالمواعيد وقواعد الجامعة.

خامساً: أعضاء هيئة التدريس أغلبهم الموجودين بالجامعات الحكومية لكن الفرق يتضح في تمتعهم ببعض الميزات في العملية التعليمية نتيجة توفر الإمكانيات، وكذلك وجودهم لساعات كبيرة وسط الطلاب جعل هناك نوعاً من التقارب وإقامة علاقات متعددة مع الطلاب الأجانب مما قد يفتح لهم مجالات للعمل خارج حدود دولتهم، لكن هذه النقطة أصبحت ملحوظة أيضاً بالجامعات الحكومية فأغلب الجامعات الحكومية تفتح الباب للوافدين خاصةً بمرحلة الدراسات العليا .

سادساً: التوظيف فإذا كان هناك نقطة تلاقى بين الجامعات الحكومية والخاصة فهذه هي النقطة الأهم فلا فرق بين خريجي الجامعتين فيما يخص التوظيف والأمر هنا لا يتعلق بالكفاءة والتمايز بين الاثنين، لكن الخريج في الجامعتين في نفس الدولة التي تعانى من عدم تكافؤ الفرص وعدم وجود معايير كفاءة في عملية التوظيف وتدخل المحسوبية في كافة النواحي العملية على أرض الواقع يجعله يعانى لسنوات من عدم توفير فرصة عمل وقد ينتهي به المطاف أن يعمل في وظيفة لا تتبع مجال دراسته.

سابعاً: عن تلك النظرة السلبية للجامعات الخاصة فبكل أسف دائماً الانطباع الأول هو السائد، فالصورة المكونة في ذهن أغلب الأشخاص أن طالب الجامعة الخاصة هو المدلل وهو الفاشل علمياً ولولا توفر المال لكان في جامعة حكومية، تلك النظرة تولدت عن سوء تقدير لقيمة العلم ذاته وافتقاد الهدف من التعلم في الأساس وأن يكون لدى الخريج الطموح الكامل لاستكمال البحث في مجال عمله والسعي لتنمية قدراته بما يؤهله لاقتحام سوق العمل بكفاءة، وليس مجرد الحصول على لقب، فأصبحت الصورة مرهونة بالمال والتربح لدى المستثمرين ورجال الأعمال في الجامعات الخاصة والتباهي بالألقاب لدى بعض الطلاب والرفاهية من جهة أخرى.

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى