نون والقلم

د.الشيماء أبو الخير تكتب: «التحرر» ما بين الفكر والجسد.. قراءة في أحوال المرأة المصرية

ألقت العولمة بظلالها على نواحي عديدة من حياتنا فتولدت العديد من المفاهيم، والملفت للانتباه أن تلك المفاهيم ثابتة منذ نشأتها وانبعاثها لكنها صارت مغلوطة عند تطبيقها في مجتمعات آلت أوضاعها للانهيار بفضل تطبيق خاطئ للانفتاح بصورة عكست الجانب السلبي فينا.

من أبرز تلك المفاهيم هو التحرر.. فأنت حر: كلمة تحمل سلاح ذو حدين منها ما هو سلبي ومنها الإيجابي. فالإنسان بفطرته يعشق الحرية، لكن تطبيق مفهوم الحرية في مجتمعات الحرية فيها من الأساس حرية مقيدة جعلت من الخلط في المفاهيم ما يثير الفضول للكشف عن جوانب التقصير فكيف لمفاهيم التحرر أن تكون الخطر الأكبر على حياتنا؟!

فالتحرر كمفهوم في مجتمعنا مرتبط أكثر بالجسد خاصة عند النساء، فتجدهن يبدأن في التنقل ما بين الأسواق الفارهة والتهافت على شراء الماركات العالمية، كذلك التحرر في الملابس وارتداء العديد منها والألوان الصاخبة والموديلات الغريبة الشكل واللون والتي قد تصل لحد الابتذال، وهنا نتوقف لحظة لنتساءل، هل من المعقول أن التحرر كمفهوم عام يعنى التنازل عن قيم مجتمعاتنا؟ وهل يقتصر على مفهوم التحرر بالجسد فقط؟! والانسياق وراء وسائل الإعلام وما تبثه من معلومات مغلوطة وثقافات التحرر الغربية والتي تطبق بشكل أعمى؟.

تلك المرأة المصرية  ذات الوشاح الخمري الواقفة على ضفاف النيل والعاملة في الحقل والمتسخة اليدين جراء مساعدتها لزوجها الذي يعمل في الفلاحة، هل يصبح لديها هذا القدر الكبير من التحرر المغلوط  والمبتذل؟! والكارثة ليست فقط فيما يتعلق بالجسد، لكن البعض يفهمن التحرر على أنه التحرر من قيود الأسرة وطاعة ولي الأمر والزوج واحترام الكبير، فتجد من تقسو على والديها ومن تخرج عن طاعة زوجها ومن لا تحترم مرؤوسيها في العمل.

حقاً لم يكن  التحرر كمفهوم قائم على بناء المجتمعات على أعمدة إيجابية يوما أداة لتدميرها، بل إن التقليد الأعمى والفهم الخاطئ جعل الفتاة اليوم تتمرد على أسرتها بحجة أننا نعيش في عصور التحرر، وحتى على سبيل التحرر الفكري فالمقصود هنا التحرر من الأفكار العبثية والتقاليد البالية مع الحفاظ على القيم والثوابت.

وفى سبيل الخروج من مأزق التحرر المزيف والمغلوط عليكِ عزيزتي حواء المصرية بالتحرر الفكري القائم على التثقيف والقراءة وإعطاء مساحة كبيرة لعقلك لمزيد من التنوير ورفض الأفكار المغلوطة عن الأسرة والزواج المبكر، والدفاع عن حقك في التعليم وتحقيق ذاتك، وأن تكون لديكي الشخصية المستقلة التي تستطيع اتخاذ قرارات مهما كانت عسيرة، كما أن التحرر جسدياً لا يعنى التعري عن القيم والمبادئ والعادات لكن يعنى رفض لكثير من الممارسات العنيفة ضد جسد المرأة كتعنيفها من قبل زوجها أو ممارسة أشكال العنف الجسدي كختان الإناث أو تعرضها للاغتصاب أو التحرش، وهنا فأنتِ بحاجة للتثقيف والعلم أنه من حقك أن ترتدي ملابسك وتسيري في طريق خالٍ من مضايقات، وليس من حق أي شخص التعرض لجسدك بأي ضرر حتى وإن كانت أسرتك، تعلمي كيف تدافعي عن ذاتك وكيف تحميها وكيف تواجهين المخاطر بالعقل والحكمة وليس بخلط المفاهيم والعبث بجوهرها.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى