نون والقلم

خيرالله خيرالله يكتب: عن معركة درعا التي لا أفق لها

اثبتت معركة درعا انّ هناك تفاهما في العمق بين روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة في ما يتعلّق بالجنوب السوري. سمح هذا التفاهم لقوات تابعة لإيران بالمشاركة في المعركة التي تستهدف بلوغ الحدود الأردنية وإعادة فتح معبر نصيب. كان ذلك عن طريق ارتداء عناصر من «الحرس الثوري» الايراني وميليشيات أخرى لبنانية وعراقية تابعة لـ«الحرس» ثياب الجيش السوري النظامي الذي بات يفتقر الى العناصر البشرية.

يقوم هذا التفاهم، الذي لا يبدو الأردن الحريص على عدم دخول مزيد من اللاجئين السوريين أراضيه بعيدا عنه، على ترتيبات جديدة تقسم الجنوب السوري الى منطقتين. سميت احدى المنطقتين غرب جنوب سورية، مسموح فيها للميليشيات الايرانية العمل لدعم ما بقي من قوات تابعة لبشّار الأسد تحت غطاء من سلاح الجو الروسي الذي ابلى البلاء الحسن في تدمير قرى واحياء على رؤوس من فيها من أطفال ونساء ومدنيين. لم يترك ذلك امام معظم المعارضين في تلك المنطقة سوى التوصل الى تسويات صبّت ظاهرا في مصلحة النظام السوري.

باختصار شديد، هناك لعبة تدور في الجنوب السوري. من أصول اللعبة عدم الاقتراب من إسرائيل التي باتت تعتبر قضية الجولان السوري المحتلّ منذ العام 1967 قضية منتهية. ولذلك كان ذلك الفصل بين منطقة وأخرى في الجنوب السوري. هناك غرب الجنوب السوري وهناك جبهة الجولان غير المسموح بالاقتراب منها. هذه الجبهة كانت في كلّ وقت علّة وجود النظام السوري القائم منذ كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع ابان حرب العام 1967.

في انتظار قمة دونالد ترامب – فلاديمير بوتين في 16 مايو الجاري، مباشرة بعد انتهاء دورة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها روسيا وعززت مكانتها الدولية، تبدو الحقيقة الوحيدة التي طفت على السطح اعلان إسرائيل صراحة انّها متمسكة بالنظام السوري. هذا لا يعني توقّف الضربات الموجهة الى المواقع الايرانية في سورية. على العكس من ذلك، استمرّت تلك الضربات في الأسابيع القليلة الماضية في وقت كانت الميليشيات التابعة لإيران تقدم الضحايا خدمة للنظام السوري الذي يعتبر نفسه خرج منتصرا من معركة درعا فيما اثبت الجانب الروسي انّه الطرف الوحيد القادر على إدارة لعبة في غاية التعقيد.

تقوم هذه اللعبة على تفاهم مع إسرائيل وإدارة ترامب قبل ايّ شيء آخر وعلى استخدام الميليشيات الايرانية في تأمين النقص في العنصر البشري الذي يعاني منه ما بقي من الجيش التابع للنظام السوري. تجمع روسيا في ادارة هذه اللعبة بين المفيد والممتع. يتمثّل المفيد في إيجاد وقود بشرية للنظام عبر الميليشيات المذهبية التابعة لإيران، فيما تجد الممتع في الذهاب بعيدا في التعاون مع إسرائيل والعمل في الوقت ذاته على التوصل الى صفقة مع إدارة دونالد ترامب التي بات معروفا انّها لا ترفض طلبا للدولة العبرية.

هل بات في الإمكان القول انّ هناك مستقبلا للنظام السوري؟ قبل الدخول في موضوع مستقبل النظام الذي ادّى وما زال يؤدي المطلوب منه، أي تفتيت سورية وتهجير اكبر عدد من المواطنين من ارضهم، لا بدّ من الإشارة الى أن إيران التي سعت الى ان تكون صاحبة الكلمة الاولى والأخيرة في دمشق، ذهبت ضحيّة الاعتقاد ان في استطاعتها استخدام الآخرين لتحقيق مآربها.

نعم، تستطيع إيران استخدام ميليشيا مذهبية لبنانية أداة لها. كذلك تستطيع استخدام ميليشيات عراقية في خدمة طموحاتها. هذا شيء والاستعانة بروسيا لإنقاذ رأس بشّار الأسد شيء آخر. انقذ فلاديمير بوتين بشّار الأسد عندما ارسل طائراته الى حميميم في أواخر سبتمبر 2015. لم يقدم على هذه الخطوة قبل الحصول على ضوء اخضر من ايران. ليس سرّا انّه سبق ارسال القاذفات الروسية الى القاعدة، المقامة في الساحل السوري قرب اللاذقية، زيارة لموسكو قام بها الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني.

لكلّ شيء ثمنه في الحرب السورية. هناك ثمن على ايران دفعه في مقابل التدخل الروسي. يشمل هذا الثمن الاعتراف بمصالح إسرائيل من جهة والعلاقة العميقة بينها وبين روسيا من جهة أخرى. إسرائيل تمرّ قبل ايران في روسيا. والاهمّ من ذلك كلّه مستقبل العلاقات الروسية – الأميركية. يعرف الروسي قبل غيره انّه لولا ابلاغ الاميركيين المعارضة مباشرة ان عليها الاستسلام في درعا، والا تتكّل على أي مساعدة من واشنطن، لما كانت المعركة في غرب الجنوب السوري مجرّد نزهة.

يبقى ان ما يتجاهله الروسي والإيراني، كذلك النظام ان منطقة درعا ومحيطها لن تكون في المدى الطويلة لقمة يسهل ابتلاعها. فمن درعا انطلقت الثورة السورية ومن درعا كانت بداية اهتزاز النظام الذي اسسه حافظ الأسد والذي استند، بين اوّل ما استند اليه، على سنّة الأرياف. كان حافظ الأسد يكره كرها شديدا سنّة المدن الكبيرة. كان حريصا كلّ الوقت على تغطية علويّة نظامه بسنّة الأرياف من جهة واقليات مثل المسيحيين والاسماعيليين من جهة أخرى.

سيكون صعبا تخيّل أي مستقبل للنظام في منطقة مثل درعا حيث العلاقات العائلية تطغى على كلّ ما عداها. هناك مجتمع عشائري في درعا ومحيطها. لهذا المجتمع امتدادات في اتجاه الأردن أيضا. معظم العائلات في تلك المنطقة لديها فروعها في الاردن أيضا. هذه العائلات ليست معروفة بالروابط القائمة في ما بينها فحسب، بل ببؤسها وعادات الثأر الذي يبقى حيّا لسنوات طويلة أيضا.

سيرفع النظام علامات النصر في درعا. حقق هذا الانتصار على السوريين بفضل الميليشيات الايرانية والقصف الجوي الروسي والتواطؤ الاميركي والإسرائيلي.

هناك انتصار تحقّق على المواطن في درعا. لا افق لهذا الانتصار الذي لا يشبه سوى الانتصارات التي كانت تتحقق بواسطة الدبابة السوفياتية ايّام الحرب الباردة على الشعوب في دول أوروبا الشرقية. ماذا بقي من الاحتلال السوفياتي لدول مثل هنغاريا وبولندا وألمانيا الشرقية ورومانيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا، التي صارت الآن دولتين؟

من يتذكر ان الدبابات التي أرسلت من موسكو سحقت انتفاضة بودابست في 1956 و«ربيع براغ» في 1968 وقمعت ثورة الشعب البولندي في ثمانينات القرن الماضي. هذه مجرّد امثلة تعطي فكرة عن انّ ثمة حدودا لما تستطيع ان تفعله الدبابة او الطائرة. هناك بكلّ بساطة نظام انتهى في سورية. لن تقوم لهذا النظام قيامة في يوم من الايّام بغض النظر عن كلّ الطائرات الروسية والميليشيات الايرانية والدعم الاميركي والإسرائيلي الذي توفّر لبشار الأسد في مناسبة معركة درعا.

ثمّة شيء انكسر في سورية. ما انكسر هو النظام الذي تكمن مشكلته الاساسية في انّه يستطيع القضاء على سورية التي عرفناها، لكنّه لا يستطيع القضاء على الشعب السوري كلّه حتّى لو جمعت له إسرائيل كل الاضداد وامنت له كلّ ما يحتاج اليه من تغطية أميركية.

نقلا عن صحيفة الرأى الكويتية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى