نون والقلم

خيرالله خيرالله يكتب: السعودية… على البحر الأحمر

تبدأ الحروب أحيانا بالكلام، كما يمكن ان تبدأ بسدّ المضائق البحرية والتعرض لحركة التجارة الدولية. يأتي كلام الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الايراني ليؤكد ان ايران على استعداد للذهاب بعيدا في سياسة تحدّي الولايات المتحدة والاقتراب من شفير الحرب. تفعل ايران ذلك، بواسطة الجنرال سليماني، من منطلق انّها مقتنعة بان إدارة دونالد ترامب ليست في وضع يسمح لها بدخول مواجهة عسكرية مع ايران. هل سليماني على حقّ ام لا؟ وحدها الايام والاسابيع المقبلة يمكن ان تجيب عن هذا السؤال وما اذا كانت اميركا تناور وان ايران قادرة على الاستفادة من مناوراتها.

ليس في القرار السعودي القاضي بوقف ناقلات النفط من عبور باب المندب سوى دليل على ان هناك من يعتبر ان ايران لم تعد تكتفي بالكلام في تعاطيها مع الولايات المتحدة. على العكس من ذلك، قررت الانتقال الى خطوات يفهم منها انّها على استعداد للردّ على العقوبات الأميركية الجديدة بخطوات محددة. يفهم من هذه الخطوات ان ايران قادرة بالفعل على تعطيل جزء من حركة الملاحة الدولية وانّها تمتلك أوراقا تسمح لها بممارسة ضغوط على الآخرين، بما في ذلك دول الخليج.

ليس كلام قاسم سليماني سوى تتمة لما قاله في البداية الرئيس حسن روحاني عن انه اذا لم تستطع ايران تصدير نفطها، ستمنع الآخرين من ذلك أيضا. كرّر روحاني كلاما قديما لا معنى له عن انّ ايران قادرة على اغلاق مضيق هرمز. بقي هذا الكلام كلاما، لا لشيء، سوى لان ايران تدرك ان التهديدات والشعارات شيء، في حين ترجمة ذلك الى أفعال يظلّ شيئا آخر مرتبطا بموازين القوى في البرّ… والبحر والجوّ.

تحدثت ايران عن اغلاق مضيق هرمز وعملت على اغلاق باب المندب وذلك عندما تعرّض الحوثيون، وهم أداة من ادواتها، لناقلتين سعوديتين اصيبتا في البحر الاحمر بعد عبورهما باب المندب. اخذت المملكة ما قام به الحوثيون على محمل الجدّ. هناك ادراك حقيقي لواقع يتمثل في ان وراء من اقدم على مثل هذا التصرّف هو ايران التي بدأت تعدّ نفسها منذ الآن للعقوبات الأميركية الجديدة التي يفترض ان تدخل حيز التنفيذ على دفعتين. في أغسطس وفي نوفمبر المقبلين.

يفرض العمل العدائي الذي أقدمت عليه ايران، عبر الحوثيين، اتخاذ خطوة أساسية تتعلّق بوضع ميناء الحديدة اليمني الذي تحوّل الى قاعدة عسكرية تهدّد الملاحة في البحر الأحمر وكلّ سفينة تريد الوصول الى قناة السويس. باختصار شديد، ارادت ايران ان تقول ان عجزها عن اغلاق مضيق هرمز، بسبب الخوف من مواجهة مباشرة مع البحرية الأميركية، لا يحرمها من امتلاك أوراق أخرى مثل عرقلة الملاحة في البحر الأحمر او التأثير على مستوى انتاج النفط في العراق. تستطيع ايران ذلك عن طريق ميليشياتها العراقية القادرة على ممارسة دور في مجال استغلال الحراك الشعبي في هذا البلد بما يخدم في النهاية المصلحة الايرانية في خفض الإنتاج النفطي للعراق.

كان ضروريا ان تدق السعودية جرس الإنذار وان تلمح الكويت إلى احتمال تفادي ناقلاتها لباب المندب. يقول المنطق انّ ما بدأ بتحرير ميناء عدن من الحوثيين، ثمّ ميناء المخا الذي يتحكّم بباب المندب، لا بدّ من ان يستكمل بتحرير الحديدة. صحيح ان قوات الجيش اليمني تقدمت في اتجاه الميناء، لكنّ الصحيح أيضا انّ هذا التقدّم يجب ان يترجم بطريقة او بأخرى تؤدي الى سحب الورقة اليمنية من ايران.

مرّة أخرى، يتبيّن ان «عاصفة الحزم» لم تكن حملة عسكرية تستهدف اليمن بمقدار ما انّها جزء من حرب دفاعية في مواجهة المشروع التوسّعي الايراني الذي يريد تحويل اليمن قاعدة عسكرية في خدمة هذا المشروع من جهة وتهدّد الامن الخليجي من جهة أخرى.

من اللافت انّ الاستهداف الايراني، عبر الحوثيين، للناقلتين السعوديتين في البحر الأحمر جاء في وقت يسعى مارتن غريفيث مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى إيجاد حلّ للمشكلة التي اسمها ميناء الحديدة. يمكن تفهم حرص غريفيث على تفادي مزيد من السفك للدماء. وقف المعارك في اليمن هدف نبيل من دون شكّ. ولكن هل في استطاعة مبعوث الأمين العام اقناع الحوثيين بانّ ما يقومون به يهدّد السلام والامن الدوليين وان من المعيب على طرف يمني لا يستطيع احد انكار انّه موجود ان يكون مجرد اداة في لعبة اكبر منه؟

تكمن اهمّية القرار الذي اتخذته السعودية في شأن تفادي مرور ناقلاتها عبر باب المندب في انّه يضع العالم، في مقدّمه الولايات المتحدة، امام مسؤولياته. هل مسموح لإيران استخدام ورقتها اليمنية من دون رادع؟ هل مسموح ان تعمل الامم المتحدة من اجل ان يكسب الحوثيون الوقت وان تتمكن ايران من المماطلة والمناورة بدل ان تقتنع بانّ ما يجري في الحديدة يتجاوز مسألة ميناء كبير ومهم يطل على البحر الأحمر وضعت ايران يدها عليه.

في النهاية، لا مفرّ من ولادة تفكير استراتيجي يقوم على فكرة ان من المهمّ حماية منظومة الامن الإقليمي وسدّ ثغرة اسمها ميناء الحديدة. معنى ذلك ان منظومة الامن الإقليمي تمتد من بحر العرب الى قناة السويس وتشمل عدن والمخا والحديدة وموانئ أخرى على الضفة المقابلة في القرن الافريقي مثل جيبوتي وعصب ومصوّع.

لذلك كان مهمّا اجراء المصالحة الاريترية – الاثيوبية في سياق حماية امن المنطقة كلّها وسدّ كل الثغرات وصولا الى حسم معركة الحديدة عاجلا ام آجلا. هذه ليست مسؤولية «التحالف العربي» الذي يدافع عن نفسه وعن امن كلّ دولة من دول الخليج في اليمن. هذه أيضا مسؤولية دولية تندرج في اطار المواجهة الأميركية – الايرانية لا اكثر ولا اقلّ. ما الذي ستفعله إدارة ترامب في المستقبل القريب من اجل اظهار انّها ليست إدارة باراك أوباما وانّها تستوعب تماما معنى بقاء ايران في الحديدة والنتائج المترتبة على تهديد الملاحة في البحر الأحمر؟

هناك لعبة كبيرة تدور في المنطقة. سيظل مطروحا هل تتحكم ايران بهذه اللعبة من منطلق انّها قوّة إقليمية مهيمنة تستطيع ان تسمح لنفسها بتهديد الولايات المتحدة بواسطة ميليشياتها الموجودة في العراق وسورية ولبنان واليمن؟ الجواب انّه معروف جيدا ما الذي تستطيع ايران عمله عبر ميليشياتها. ما ليس معروفا هل إدارة ترامب إدارة جدّية تتمتع برؤية استراتيجية تشمل بين ما تشمله المعرفة المعمّقة بأهمّية ميناء الحديدة ودوره في خدمة المشروع الايراني وتهديد الملاحة في البحر الأحمر في الوقت ذاته. ما فعلته السعودية الموجودة على البحر الاحمر ليس كشفا لما تقوم به ايران فحسب، بل وضع للإدارة الأميركية امام مسؤولياتها أيضا وتأكيد لأمر واقع يقول ان للمملكة شاطئا طويلا على هذا البحر وان امنها مرتبط به إلى حدّ كبير.

نقلا عن صحيفة الرأى الكويتية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى