نون لايت

خبراء عالميون يستعرضون أبرز تحديات علوم الأدلة الجنائية في دبي

أجمع خبراء عالميون من رؤساء المنظمات العالمية للعلوم الجنائية، ومتخصصون ومديرو مختبرات خلال مشاركتهم في مؤتمر ومعرض الإمارات الدولي للأدلة الجنائية وعلم الجريمة الذي أطلقته القيادة العامة لشرطة دبي وشركة اندكس للمؤتمرات والمعارض في دورته الأولى تحت شعار «علوم الأدلة الجنائية الالكترونية»، على أن الدقة في اتخاذ الإجراءات والمعايير العالمية لرفع الأدلة واستخراج البصمات والحمض النووي، وتطويع التكنولويجا المتقدمة وأحدث البرامج وتسخيرها في خدمة العلوم الجنائية، تتصدر أبرز التحديات التي تواجه علوم الأدلة الجنائية، إضافة لتحقيق الموزانة بين كم المعلومات المتدفقة والتقنيات المتداخلة دون التعدي على خصوصية الأفراد، ووجوب تأهيل الخبراء في الأدلة الجنائية وعلم الجريمة للإدلاء بشهاداتهم في المحاكم، وخلق ترابط بين المختبرات الجنائية والقضاء والطب الشرعي والمحققين ورجال الشرطة في مسرح الجريمة وكافة الجهات المعنية، إضافة لإشكالية أن الدليل الجنائي لايزال أمام القضاء دليلا داعما وليس قاطعا لإدانة الجناة.

وأشاد الخبراء والمتخصصون بضخامة المؤتمر وأهمية المعرض وأوراق العمل الثرية بالمعلومات الدقيقة والمتخصصة، وعدد المشاركين والضيوف المستقطبين من أهم منظمات الأدلة الجنائية وعلم الجريمة في العالم، إلى جانب الأكاديميين والطلبة، مؤكدين أن هذا التجمع العلمي يعد منصة مهمة لتبادل الخبرات وطرح الإشكاليات والتحديات، والاطلاع على أهم الأجهزة والتقنيات الحديثة المتخصصة في العلوم الجنائية بكافة أنواعها.

عصر التقنيات

الخبير باري فيشر، المدير المتقاعد لمختبر الأدلة الجنائية وعلم الجريمة في لوس أنجلوس بأمريكا، يوضح أن أحد التحديات التي تواجه العلوم الجنائية يتمثل في إيجاد نوع من التوازن بين كم المعلومات التي نسعى للحصول عليها في ضوء عملنا دون أن ننزلق نحو إشكالية التعدي على خصوصية الأفراد، مشيرا إلى أننا نعيش في عصر يتميز بوفرة التقنيات ووسائل التكنولوجيا الحديثة لاسيما تلك التي تختص بعلوم الأدلة الجنائية والتي قدمت كماً كبيراً من المعلومات لم يكن من المستطاع الحصول عليها من قبل.

وبيّن الخبير فيشر أن موضوع المؤتمر حساس ومهم للغاية، لاسيما مع رصد حالات في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، تم فيها إدانة أشخاص بارتكاب جرائم خطيرة وسجنهم لسنوات تجاوزت حالات منها العشر والعشرين عاما، وبعد فتح ملفاتهم القضائية والجنائية مرة أخرى وإعادة تحليل الأدلة اتضح سجنهم عن طريق الخطأ، وعليه فإن علم الأدلة الجنائية ضروري جداً لمكافحة الجريمة والحفاظ على أمن وسلامة شعوبنا، ما يستلزم منا أن نكون على يقين تام وبالأدلة القاطعة عند اعتقال أي شخص ومثوله أمام القضاء.

تأهيل الكوادر

وأضاف الخبير فيشر أن الطريقة الأمثل لذلك هو تسخير أحدث وسائل التكنولوجيا والتقنيات في علم الأدلة الجنائية، إلى جانب تأهيل وإعداد الكوادر المحترفة والمتخصصة في مختبرات الأدلة الجنائية وعلم الجريمة والطب الشرعي والقضاء والمحاكم ورجال الشرطة في مسرح الجرائم، وإلحاقهم بورش عمل تثقيفية وتوعوية ليكون كل شخص على علم ودراية بمجال الشخص الآخر، موضحا أن بعض القضاة والمحامين غير مطلعين على آلية عمل الخبراء وماهية تطابق الأدلة ونسب الخطأ فيها، والعكس صحيح، فالخبراء ليست لديهم الخبرة الكافية للإدلاء بشهاداتهم وشرح حيثيات الدليل الجنائي في المحاكم، لذلك فإن الأمر برمته يعتمد على التكنولوجيا والمعلومات والتدريب والمصادر وقنوات التواصل بين جميع الأطراف.

وأكد الخبير أن دولة الامارات سباقة، مقارنة ببقية دول المنطقة، في سعيها الحثيث للتخصص والتطور في هذه العلوم، وهذا يتجلى بإقامتها لهذا المؤتمر الضخم العالمي واحتضانها لجلسات حوارية تفاعلية، وإقامتها لمعرض يضم أحدث التقنيات والتكنولوجيا المختصة بالعلوم الجنائية.

السجلات السنيّة

يرى الدكتور سالم التالي، مستشار طب الأسنان الشرعي ورئيس مكتب الفحص الطبي في القيادة العامة لشرطة أبوظبي، إن التعرف على هويات ضحايا الكوارث والأزمات عن طريق السجلات السنيّة يعد تحديا كبيرا، وذلك لكثرة الحوادث والحروب والتي ينجم عنها ضحايا مجهولي الهوية تستدعي منا التعرف عليهم بطرق أخرى غير البصمات، وهنا يأتي دور علم طب الأسنان الشرعي بقدرته على التعرف على ضحايا الحروب والكوارث من خلال سجلاتهم السنيّة، ومن خلال هذا العلم أيضا يتمكن الخبراء من معرفة عمر وجنس وعرق الضحية، ومكانته الاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

وأوضح الدكتور سالم أن هذا العلم يعد تحديا كبيراً، نظرا لحاجتنا لبناء قاعدة بيانات سنية للأفراد، وعليه فقد أسست الإمارات فريقا للتعرف على ضحايا الكوارث في عام 2010، وحصلت على الاعتماد الرسمي من اللجنة التوجيهية لتحديد هوية ضحايا الكوارث في الانتربول عام 2011، كما أصبحت الإمارات أول بلد عربي يغدو عضوا في المنظمة الدولية للأدلة الجنائية لطب الفم والأسنان.

نسخ العينات

تؤكد ديبرا إيبتستين، رئيس شركة برايت لاين للأدلة الجنائية في الولايات المتحدة الأمريكية، على أهمية التحقق من صحة تحليل مزيج الحمض النووي، واستخدام البيانات الناتجة عن الدراسات في تحديد القيم دون وقوع لبس، مشيرة إلى أن التقدم التكنولوجي الهائل والمتسارع أصبح يشكل تحديا لقراءة مزيج عينات الحمض النووي ومقارنة النتيجة مع نتائج الطرق التقليدية في التحليل، فعلى سبيل المثال لدى محاولة تحليل الحمض النووي الناتج عن اللمس، تكون عادة الأماكن الخاضعة للفحص قد تم لمسها من عدة أشخاص آخرين، فنحصل على مزيج من عينات صغيرة للحمض النووي لعدة أشخاص، وصغر تلك العينات يعني صعوبة القيام بعملية PCR  (وهي عملية نسخ العينات ) فهي عادة تتطلب كميات كافية من الحمض النووي، وفي هذه الحالة تكون عملية التحليل صعبة جدا وشبه مستحيلة إن تمت يدويا، ولكن إن توفر البرنامج المناسب ستكون العملية أسهل، حيث يقوم البرنامج بجمع العينات وإضافة قيم معينة للعينات المشتبه بها وفقا لخوارزميات وإحصائيات محددة.

الأمن المعلوماتي

يقول ماثيو سويش، خبير تكنولوجي إن أحد أهم التحديات اليوم هو الأمن المعلوماتي «السيبرالي» الذي يزداد تعقيدا يوما بعد الآخر في كافة أنحاء العالم، الأمر الذي يعني مواجهة تحديات مستقبلية في علم الأدلة الجنائية الالكترونية، وضرورة البحث عن أدوات وتقنيات أكثر تطورا لدعم علم الأدلة الجنائية الالكترونية، مشيدا في الوقت ذاته بالشركات العارضة على هامش المؤتمر والتي سلطت الضوء على مجموعة من أهم الابتكارات والتقنيات في مجالات الأمن.

وترى ستيفاني ريردون، مدير تنفيذي لشركة بريطانيا متخصصة في علم الأدلة الجنائية، إن أحد التحديات التي يواجهونها في علوم الأدلة الجنائية يتمثل في أن الدليل الجنائي لايزال دليلا داعما وليس قاطعا لإثبات التهمة وإغلاق القضية، موضحة أن القضاء لايزال يستند في حكمه إلى جملة من العناصر الأخرى منها شهادات الضحايا واعترافات المشتبه بهم وغيرها، لذلك فإن التعامل مع الدليل الجنائي مازال داعما وليس قاطعا.

وأشارت ستيفاني إلى أنهم بصدد اعتماد معايير قياسية ودليل لإجراء التحليل الجنائي للأطفال والقصر والبالغين في قضايا العنف الجنسي حال إتمامهم لإجراءات الآيزو في بريطانيا، موضحة أنهم عكفوا على تطوير تلك المعايير وفقا لدراسات وأبحاث وخبرات في قضايا العنف الجنسي، آملة أن يشهدوا بذلك تقدماً كبيراً في نوع الاستجابة التي يوفرها علم الأدلة الجنائية في عملية الكشف والحد من جرائم العنف الجنسي ليس فقط في المملكة المتحدة بل حول العالم أيضا.

علم الخطوط

ويقول نيكولاوس كالانتزيس، كبير خبراء الخطوط وفحص المستندات، إن علم الخطوط وفحص المستندات والوثائق في الأدلة الجنائية يواجه تحديات عدة، لعل أبرزها قبول نتائج الدراسة علميا ورفضها قضائيا، وذلك نظرا لبقاء التزوير فرضا محتملا، ما يجعل الشك واقعا لدى القضاء ومعه ينتفي الاعتماد على الدليل الجنائي.

وأضاف الخبير أن هنالك تحديا آخر يتمثل في ضرورة فحص الخبير ودراسته للخط دون تأثر بمحتوى الرسائل أو المستندات أو الوثائق، ليكون قادرا على إعطاء تقرير علمي بحت، موضحا أن المستقبل برأيه سيكون لتقنيات التقاط الصور والتي سنتمكن من خلالها تحليل الخط وإجراء المقارنات بدقة أكبر.

كيفية توظيف الأدلة

وتؤكد كيم دويل، مدعي عام، أن الدليل الجنائي لا يزال داعما في قضايا العنف الجنسي، فيما يعتمد القضاء أولا على الشهادات الشفوية والإفادات ومقارنتها ودعمها أو رفضاها باستخدام الدلائل الجنائية، مشيرة إلى إنه من غير المنطقي استخدام الأدلة الجنائية كدليل وحيد وقاطع في العملية القضائية، مضيفة أنه من المهم أيضاً أن تتم عملية جمع الأدلة وفق معايير وآليات محددة ودقيقة لضمان نوعية الأدلة، كما يتوجب على الخبير المسؤول عن تقديم هذه الأدلة في المحكمة أن يكون ملما بشكل كاف بنوعية وماهية هذه الأدلة وكيفية استخدامها لدعم العملية القضائية.

مسرح الجريمة

تشدد الدكتورة ناديا الكنداري، خبيرة جنائية في الكويت، على أن اتباع المعايير العالمية الصحيحة في رفع الأدلة الجنائية من مسرح الجريمة واستخراج البصمات والحمض النووي وكافة الآثار وفقا للأساليب الإجرائية المعمول بها يمثل تحديا كبيرا، ذلك أن بعض محامي المتهمين يبحثون عن ثغرات في الإجراءات لإبطال التهم عن موكليهم، وهو ما يتطلب من الخبراء ورجال الشرطة في مسارح الجرائم تحري الدقة في رفع ونقل وحفظ الدليل الجنائي، موضحة أن الدراسات الحديثة أثبتت أن 75% من الأخطاء الشائعة التي من الممكن أن يلجأ إليها المحامي لتبرئة موكله هي كيفية التدقيق والعمل ورفع الآثار من مسارح الجرائم.

تطويع التكنولوجيا

بخلاف الدكتورة ناديا، يجد الدكتور اللواء فهد إبراهيم الدوسري، مدير عام الإدارة العامة للتحقيقات في الكويت، أن الجودة والدقة في رفع ومسح وتحليل الآثار في مسارح الجريمة هو واجب لابد من اتباعه من كافة الأفراد المعنيين، وليس تحديا، لكنه يجد في تطويع التكنولوجيا لخدمة علوم الأدلة الجنائية تحديا كبيرا، لاسيما مع التطور الهائل الذي يحدث اليوم، ولجوء المجرمين إلى ابتكار أساليب وتقنيات لتنفيذ جرائهم دون الكشف عن هويتهم، مؤكدا ضرورة التقدم بخطوات عن المجرمين بالاطلاع المستمر على التكنولوجيا واستحداث انظمة وبرامج تدعم علوم الأدلة الجنائية، إضافة لاستثمار الهواتف الذكية والكاميرات لتعزيز الأمن والأمان في المجتمعات وتسهيل الكشف عن خيوط أي جريمة قد تحدث أيا كان نوعها.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى