نون والقلم

خالد عبدالله تريم يكتب: الإرهاب هو الإرهاب

صحا العالم صباح أمس على حادث الاعتداء البشع الذي طال المصلين في مسجدين في نيوزيلندا. ليس حادثاً عابراً، فهو جزء من مشهد الإرهاب والتطرف في العالم، وهذه المرة يأتي من مكان غير متوقع، كما رأى الكثيرون من المحللين والمتابعين، ما يدل على صدقية من يقول بأن الإرهاب بلا لغة أو جنس أو عرق أو لون.

الإرهاب بلا دين أيضاً، فها هو يستهدف مسلمين أبرياء يقيمون صلاة الجمعة في اليوم المبارك لدى المسلمين، والذي يفترض أن يكون وقت سكينة وزمن سلام. من هنا عبّرت دولة الإمارات بأشد العبارات ضد هذا الاعتداء السافر على الإنسانية، ودان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» الحادث الإرهابي داعياً من دولة الإمارات بلد التسامح.. العالم أجمع إلى وقفة واحدة في مواجهة الإرهاب الأسود .

كما دان كل من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الحادث، وعبّرا في كلمتين قويتين دالتين، من خلال حسابي سموهما في «تويتر»، عن رفض كامل لهذا الحادث المبني على الكراهية؛ حيث وجّها إلى العالم رسالة الإمارات، وطن التسامح، في عام التسامح.

الإرهاب، في هذه المرة، يأتي من اليمين الغربي المتطرف، وهو وجه آخر للإرهاب القائم على فكرة التدين المغلوط، والتدين غير الدين؛ حيث حمل حمولات ثقيلة ومعقدة عبر القرون، ترتب عليه خطاب ديني متناقض، وجدت فيه تيارات الظلام ضالتها نحو تبرير إجرامها، وفي المقابل، وهو معادل موضوعي، هنالك اليمين المتطرف، فالتطرف هو التطرف والإرهاب هو الإرهاب ولا فرق، ويفترض أيضاً التعامل مع هذا التطرف الغربي المبني على الكراهية، باعتباره ظاهرة مركبة ومعقدة، تسللت إلى عقول ونفوس البعض، قلّ أو كثر، حتى أصبحت تشبه النتوء السرطاني في نسيج الغرب، في أوروبا وأمريكا، وها هو، اليوم، يأتي من نيوزيلندا بيد أسترالية.

كما أعلن شرفاء العرب والمسلمين مواقفهم الواضحة الصلبة ضد العمليات الإرهابية في مناطق متعددة من أوروبا والغرب، فإن عليهم، وعلى شرفاء العالم أجمع، توحيد موقف يضع جرائم المتطرفين من غير المسلمين، أو بالأصح، من غير «المتأسلمين» أو مدعي الإسلام، في حجمها الصحيح، حجم البشاعة ذاته، وحجم الرفض نفسه.

وكما هو مقبل من منطقة بعيدة وقريبة، في الوقت نفسه، من النسيج الاجتماعي الغربي، فإن هذا الخطر، وإن بدا داهماً أو مداهماً، لم يأتِ على حين غرة، ولم يتكوّن فجأة. هو نتيجة طبيعية ومنطقية ل«تغذية» ممنهجة بلغت أوجها في السنوات الأخيرة عبر خطاب فجّ وغير إنساني، فمن قال إن مجرم كراهية يوم أمس لم يتأثر بالدعوات الممنهجة إلى كراهية ونبذ المهاجرين، خصوصاً المسلمين، في أمريكا وأوروبا وأماكن متفرقة من كرتنا الأرضية؟.. جدار المكسيك المزمع إنما وضعت «أساساته» في نفوس الملايين من سكان الأرض.

يبدو أن اللحظة العالمية الراهنة هي لحظة نداء دولة الإمارات إلى بلورة مشروع عالمي للتسامح، عبر مأسسة شعارات وتطبيقات التسامح والتعايش، وتسهيل إجراءات المقيمين، وكانت، بكل فخر واعتزاز، السباقة إليها، والشاهد أو بعضه أنه فيما كانت جريمة تنفذ على الهواء مباشرة، كان العالم يتوجه إلى متابعة مجريات وأخبار الأولمبياد في الساحة نفسها التي جمعت البابا فرنسيس وحشود الإخوة المسيحيين في أول قداس يحييه البابا في المنطقة.

وكنا في البداية نضحك أو نسخر كلما سمعنا دعوات الكراهية في شكل نكتة سمجة أو دعاية انتخابية إلى أن رأينا، وبأم أعيننا، قرارت تضيق على الناس حرية تنقلهم وسبل حياتهم ومعيشتهم، وإلى أن رأينا مجرم نيوزيلندا يفرغ ذخائر حقده في رؤوس وصدور مصلين يتوجهون إلى ربهم، ربّ الإنسانية الواحد في يوم الجمعة، يوم البركة والسلام.

ألمْ يقل العربي القديم: «ومعظمُ النارِ من مستصغرِ الشررِ»؟.

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى