- أهم الأخباردوشة فنية

حنان ابو الضياء تكتب: «لادج لي» يفضح المشروع السري للإخوان في فرنسا

السينما دائما وأبدا حمالة أوجه عدة؛ ويمكن لكل مشاهد رؤية العمل الفني من خلال ثقافته وأفكاره هو؛ ومع ذلك يقدم المخرج «لادج لي»  في فيلم البؤساء؛ أحد الأفلام الهامة التي عرضت في مهرجان الجونة؛ رؤية صائبة عن الدور التدميري الذي يقوم به الإخوان المسلمين في فرنسا ومشروعهم السري ومنطلقاته.

فتلك الجماعة تعمل هناك لإنشاء بيئة إسلامية يعيش فيها المسلمون، لكن بشرط التوحد معهم، لذا فإنها تستهدف فئات مسلمة متنوعة من الطلاب والنساء والأطفال، وتنظم الفعاليات وخاصة بالجوامع  بهدف جعل المسلمين ينحرفون عن مسارهم التطوري القابل للانسجام مع قيم الجمهورية الفرنسية.

وتنامي تهديدات الجماعات المتطرفة ضد فرنسا، يؤدى إلى  ظاهرة «الإرهاب الكامن» التي لا تحتاج إلى تنظيمات ولا تعبئة أيديولوجية؛ والعمليات الفردية قد تكون هي الأكثر خطورة وهذا ما قد تشاهده من بين تفاصيل أحداث فيلم البؤساء؛ وخاصة بين أبناء الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين؛ ويظهر الفيلم أن هناك معضلة كبيرة نتيجة صعوبة الاندماج وتقبل المبادئ والقوانين المعتمدة واحترام النموذج الفرنسي؛ الوجود الإسلاموي الحركي الإخواني التنظيمي في فرنسا ربما يعتبر الأخطر على الأمن المجتمعي الفرنسي.

وفى الحقيقة لم أتوقع أن يكون فيلم البؤساء الفرنسي والبعيد تماما قصته عن رواية فيكتور هوجو؛ بهذا المستوى الفني الراقي؛ والذي نال أعجاب واستحسان كل مشاهديه في مهرجان الجونة؛ وبعد مشاهدة الفيلم فهمت وجهة نظر المخرج «لادج لي» عندما دعا الرئيسَ الفرنسي لمشاهدة الفيلم؛ فالعمل وأن كانت أحداثه لا تدور حول مطالب حركةِ السترات الصُفْر؛ ولكنها توضح الأسباب التي أدت إليها؛ بل وأنه يشير إلى تفسير أسباب الغضبِ في الضواحي في عام 2005؛ وأن لا شيءَ تغيّر منذ ذلك الحين.

فالمخرج أعلن مررا في أحاديث له أن السترات الصُفر عانت كثيرا من عُنف الشرطة، الرائع أن هذا العمل نال اهتمام كبير أيضا في مهرجان كان واستقبل ممثليه  بالتصفيق والإعجاب وهم يسيرون على البساط الأحمر؛ من قبل نقاد السينما الذين شاهدوا الفيلم، بل ونافس على السعفة الذهبية في المهرجان بدورته الثانية والسبعين.

وفى الواقع أن المخرج الفرنسي لادج لي أستطاع باقتدار العزف على الغضب الذي يشتعل  تحت جلود الفرنسيين من أصل إفريقي وعربي؛ وكان لا يبدو على السطح الفرنسي الهادئ، فالعالم لا يعرف شيئا عن حياة المهمشين في ضواحي باريس الفقيرة، والتي تتعامل معها الشرطة بمنتهى القسوة؛ وعلى الجانب الأخر هؤلاء المهمشين، من بينهم يتواجد المتطرفين المتشددين، ومنهم اللص والمجرم، ومنهم أعين الشرطة والمتعاونون معها. ولكن للأسف أن الأجيال الجديدة منهم أشد عنفا وقسوة.

والفيلم ينطلق بنا إلى منطقة تشابك فيها الحكايات والثقافات، ويبرز فيها دور الأخوان المسلمون، بكل ما لهم من سطوة يحاولون السيطرة على هؤلاء المهمشين بأفكارهم المتطرفة التي كانت دوما سببا في الاحتقان بتلك المناطق؛ بل أن أحدهم يدعم الذي سرق شبل الأسد من السيرك؛ مدعيا أن الأسد عندما يزأر يذكر اسم الله؛ وأنه خلق فقط ليعيش في البرية، ولأن  فيكتور هوجو كتب روايته الشهيرة في مونفرماي (سين سان دوني)، البقعة التي جري بها الأحداث؛ لذلك أتخذ المخرج هذا الاسم لفيلمه؛ المستعرض لثلاثة عناصر من الشرطة المحلية (داميان بونار وألكسيس ماننتي وجبريل زونجا) الذين يواجهون سلسلة مشاكل في منطقتهم؛ وينبغي لهم التعامل معها وإيجاد حلّول لها.

أحد هؤلاء الثلاثة، جاء من منطقة أخرى ليشكّل فريقاً مع اثنين معروفين في المنطقة وينشطان منذ زمن فيها، ولكنه الأكثر إنسانية، والطرف الذي يؤكد من خلاله المخرج أن هناك وجهات نظر عاقلة وقلوب رحيمة في الشرطة الفرنسية، وكانت وجهة نظر موفقة للمخرج بداية الفيلم حيث الاحتفال بحصول فرنسا على كاس العالم؛ ليؤكد أن الجميع يتوحد في تلك اللحظات؛ بل أن الفرنسيين من أصول إفريقية وعربية ربما هم الأكثر اعطاءا للحفلات روحها؛ وأنهم يملكون في تلك اللحظات الكثير من الفخر والشعور بالمجد الوطني.

فبطل الفيلم الصبي الأسمر الذي سيتسبب في تصاعد الأحداث في تلك اللحظة التاريخية يلتف بالعلم الفرنسي، ويشارك الجموع الغفيرة فرحتهم قرب قوس النصر في باريس، بعد فوز فرنسا بكأس العالم عام 2018. هذا المشهد ذابت فيه الفئات والطبقات والألوان، وسط السعادة الغامرة بفوز فرنسا بالكأس، في تلك الضاحية الباريسية الفقيرة، تدور الأحداث المولدة من  «الكراهية» والاحتقان والغضب تعبيرا عن المناطق الباريسية المهمشة؛ هذا الغضب الممتزج  بتجبر الشرطة، وعنف المهمشين، وبإيقاع سريع لا يعرف الملل فجر المخرج قضيته، باستعراض صورة مجسمة وواقعية أبرزتها مشاهده للفقر والإحباط والجماعات غير المتناغمة ورغبة كل جماعة أن تفرض سطوتها على الحي، وكراهية الجميع المشتركة للشرطة، وكأن الفيلم يقدّم صورة شاملة لمآسي المهمشين اليومية، رصد تحركاتهم في مناخ شديد التوتر والضغط. ولكن الرائع أنه يدير القضية باحتراف الفنان صاحب الرؤية فهو لا ينتصر لهم تماماً، بل يستعرض حياتهم بكل تجاوزاتهم ومزاجيتهم، وخاصة مع المتطرفين الذين يمارسون نشاطهم ويفرضون أفكارهم بعيداً من منطق الجمهورية، لا تمنحهم أي سبب تخفيفي لأفعالهم.

 ولم يكن غريبا أن نسمع جملة «أنا القانون»، من ضابط الشرطة مستعرضا  قوته في حي مونتفرمي الذين يحوى المساكن البائسة التي توفرها الدولة، ومع أن المخرج يقدم أحد أفراد الشرطة جوادا (جبريل زونجا) المنحدر من المنطقة، ويعرف أهلها وتقيم أسرته فيها، وبالتالي يفهم للتركيبة العرقية والسكانية والاجتماعية للمنطقة، إلا أنه تحت وطأة ضغط العمل يتجاوز القواعد الموضوعة لعمله، وينجرف نحو العنف؛ عندما يصيب الصبي الإفريقي سارق شبل الأسد؛ ويكتشفوا أن صبى أفريقي أخر قام بتصويرهم عبر طائرة صغيرة للتصوير، لتبدأ رحلة البحث عن كارت الميموري قبل رفع الفيلم على السوشيال ميديا؛ و الطريف هنا هو التأكيد على خطورة تلك الوسائل التي من خلاله يعرفون أيضا من الذي سرق الأسد.

وتبدأ رحلة سيارة الشرطة داخل الحي وتركيبته الاجتماعية والعرقية المعقدة المتشابكة، فنرى المراهقون الفقراء الذين لا تستوعب الدولة طاقتهم فيعبثون في الشوارع والطرقات وسطوح البنايات، وتأثير الجماعات الإسلامية المتطرفة عليهم هؤلاء الأشخاص العائدون من «الجهاد» في الشرق الأوسط، إلى جانب أسر الغجر بعنفهم الشديد؛ والجميع مشترك في كرهه للشرطة، ورغم أن المراهقين يملكون التكنولوجيا التي تمكنهم من الاحتفاظ بمعلومات قد تدين الشرطة، إلا أنها تصبح سببا في تفجر العنف لسوء استخدمها.

ومن منطلق أن الضغط يولد الانفجار تتصاعد أحداث الفيلم؛ فبطش الشرطة يؤدي إلى عنف مضاد وتتبدل الأدوار وهنا يصبح السيطرة بعيدة عن العقل؛ فالغضب المرعب يسيطر على  مراهقي الحي، ولا يحسم المخرج الصراع ويترك النزاع بين الجانبين، ونتيجته مفتوحين للتأويل، ولكن الحقيقة المؤكدة هي أن الصراع مستمر وأن المواجهات بين الجانبين لن تنتهي سريعا.

وينتهي الفيلم بنهايته المفتوحة؛ والصبي يحمل بيديه ما يشعل الحي من جديد في دورة عنف كبيرة؛ وتجئ كلمة النهاية على الشاشة باقتباس رائع من رواية فيكتور هوجو؛ وكأن المخرج يقول وجهة نظره في أحداث العنف الأخيرة في فرنسا: «لا توجد نبتة سيئة ولا يوجد رجل سيئ، ولكن ثمة فقط زارع سيئ».

 

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى