دوشة فنية

حنان ابوالضياء تكتب: «عازف البيانو».. قوى ناعمة تعرف كيف تعزف لصالح اليهود!

فيلم The Pianist من أهم الأفلام التي تؤكد أن اليهود يستخدمون السينما بحرفية رائعة لتصبح بمثابة القوى الناعمة القادرة على اختراق القلوب والعقول لصالحهم.

فالبطل منذ بداية الفيلم لا يأبه بالقصف المدفعي لفارسوفيا، ويستمرا عازفا على البيانو، ويتلاعب المخرج طوال الفيلم بتفاصيل إنسانية، الهدف منها هو ترسيخ معاناة اليهود كمشهد طفل مخترقا جدار الجيتو، فيقتله الجنود؛ واقتحام الجنود لمنازل الجيتو والرمى بمعوق من البلكونة، وأم تبحث عن شربة ماء لرضيعها ويستكمله بمحاولتها إسكاته خوفا من الألمان، فتقتله دون إرادتها، كل هذا غلف بموسيقى تصويرية لفوزسيتش كيلار وكاميرا شاعرية تعرف ماتريد قوله.

«عازف البيانو» (The Pianist) هو فيلم من نوع الدراما التاريخية صدر عام 2002، من إخراج رومان بولانيسكي وتأليف رونالد هاورد، وبطولة أدريان برودي، الفيلم مأخوذ عن كتاب يحمل نفس الاسم لعازف البيانو البولندي اليهودي فلاديسلاف شبيلمان.

فاز الفيلم بجائزة السعفة الذهبية، في مهرجان كان السينمائي، كما فاز أيضا بأوسكار أفضل مخرج، أفضل ممثل وأفضل سيناريو مقتبس، قام المخرج البولندي الأصل رومان بولانيسكي بتمويل الفيلم بالكامل،إضافة إلى اثنين من الشركاء، تم تصوير الفيلم في بولندا و بريطانيا وألمانيا.

من الجدير بالذكر أن أطلال الأبنية التي تظهر في نهاية الفيلم هي أصلية ولم تعالج سينمائيا؛ وتعود إلى أبنية قديمة كانت تابعة للجيش الأحمر السوفيتي في بولونيا وارتأى المخرج أن يتم تهديم بعضا من البيوت المجاورة لها لكي يبدو المشهد كاملا.

يبدأ الفيلم من خلال فلاديسلاف شبيلمان عازف البيانو البولندي الجنسية اليهودي العرق يعزف في محطة الإذاعة البولندية التي تعرضت للقصف وتهدمت من قصف القوات الألمانية النازية لها بالقنابل، مع اشتعال الحرب العالمية الثانية وكان ذلك في سبتمبر من عام 1939م. يحدوه الأمل بانتصار سريع لبريطانيا وفرنسا يدعوا هو وأسرته لهما بهزيمة الألمان بعد أن علم بتدخلهما ومحاربهتما لألمانيا، ولكن الجيش الألماني هَزَمَ بولندا وأحتل مدينة وارسو، تدهورت ظروف المعيشة لليهود حيث حدد لهم مبلغًا معينًا من المال، ثم أُجْبٍرُوا على وضع شارة على الذراع موسومة بنجمة داود .

بحلول نوفمبر من 1940م وضِعوا في ظل ظروف قاسية ومهينة في جيتو (حي مغلق) وارسو، حيث شهدت أسرة شبيلمان وبها والده ووالدته أيضا- كيف قام SS (جيش الحماية) باقتحام الشقة المقابلة لهم وقتلوا جميع من كان بها، وسرعان ما أحيطت الأسرة وأجبرت للانتقال إلى معسكر الإبادة بتريبلينكا؛ ولكن شبيلمان تم إنقاذه بواسطة صديق له يهودي يعمل في شرطة الجيتو.

أصبح شبيلمان عامل سُخرة لدى الألمان حيث ينجو من الإعدام العشوائي الجماعي، ويتعلم شبيلمان من ثورة اليهود المرتقبة تهريب الأسلحة إلى الجيتو، وبصعوبة تجنب الشك به، ويدبر للهرب ويختبيء بمساعدة صديق غير يهودي أندريك بوجسكي وزوجته جانينا، شاهد شبيلمان في إبريل 1943م بزوغ انتفاضة الحي اليهودي وسقوطها من نافذته القريبة من حائط الجيتو، ثم مر عام وأُجبرَ على الفرار بعد أن اكتشف جيرانه وجوده ، ثم وضع بحجرة بها بيانو في مكان ثان للاختباء، ولكنه أُجبر على السكون، وعاني من مرض الصفراء.

تتصاعد المقاومة البولندية بوارسو في إبريل 1943م ، فهجموا على مقر البوليس السري الألماني بالجانب الآخر من الشارع مواجهًا لمخبأ شبيلمان، فيسمع جيرانه يهربون لأن الألمان حاصروا المبني، ويحاول الخروج من الباب ولكن بلا جدوي، حيث كان مقفولاً بالقفل من الخارج كطريقة تمويه أن لا يوجد أحد بالشقة، ومن حسن حظه تدمر قذائف الدبابات الألمانية حائط شقته فيجبر على الفرار والاختباء بمكان آخر بعيدا عن القتال المحتدم من حوله، ثم في الأشهر التالية يتم تدمير المدينة وتفريغها من السكان ومنهم شبيلمان الذي يبقى وحيدا يبحث يائسا عن المأوى والطعام بين الركام .

في نهاية الأمر يكتشف الضابط الألماني ويليم هوزنفيلد مكانه، ويعلم أن شبيلمان عازفا للبيانو فيسأله أن يعزف له على بيانو قريب منهما، فيعزف بيلمان مقطوعة ذات ثلاثة مقاطع بسيطة هزَّت هوسنفيلد الذي سمح له بالاختباء في أعلى منزل خالٍ ، ويحضر له الطعام بانتظام.

ولأن الألمان اضطروا للانسحاب بفضل تفوق الجيش الأحمر (السوفيتي) في يناير 1945م،فقابل هوزنفيلد شبيلمان لأخر مرة ووعده أن يستمع إليه في محطة الإذاعة البولندية وأعطى شبيلمان معطفه السميك لكي يبقيه دافئا ومضى؛ هذا المعطف كاد أن يقتل شبيلمان عندما أطلق الروسيون عليه النار ظنا منهم أنه ألمانياً،إلا أنهم أدركوا أنه بولنديا.

بمكان آخر، السجناء السابقون في معسكر الاعتقال النازي يمرون على الأسرى من الجنود الألمان، والاعتداء عليهم بالألفاظ ومنهم سجين سابق يصرخ أنه كان عازفا للكمان، ويُرى هوزنفيلد مع الأسرى ويسأل عازف الكمان إذا كان يعرف شبيلمان،فأكد له العازف ذلك،فطلب منه أن يطلب من شبيلمان أن يرد المعروف إن استطاع.

لاحقا يأتي عازف الكمان مع شبيلمان لموقع الأسر ولكنهما لم يجدا شيئا غير حقل عشبي وتوفى الضابط الألماني في معسكر سوفيتي سنة 1952 ؛و لاحقا أيضا شبيلمان يعزف مع الأوركسترا مقطوعة رقصة البوليزي الكبرى لشوبان في حضور جمهور كبير وراقٍ.

يختتم الفيلم بذكر بعض الأخبار مكتوبة فشبيلمان تُوفي عام 2000م عن عمر يناهز الثمانية والثمانين؛ بينما تُوفي هوزنفيلد في معسكر سوفيتي عام 1952.

أدريان برودي قام بدور فلاديسلاف شبيلمان  و هو ممثل أمريكي فاز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل عام 2002 عن فيلم عازف البيانو، كما حصل بنفس الدور على جائزة سيزر عام 2002 كأفضل ممثل، وهو أيضا من أصل يهودي بولنديومن المعروف أن أدريان برودي  أصبح أصغر شخص حتى الآن يفوز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل عندما فاز بها عن دوره عازف البيانو في سن الـ 29.

كما أنه الفيلم الأول الذي يحصل على جائزة أفضل فيلم في سيزر من دون استخدام أي كلمة فرنسية في الفيلم، ومن أجل الفيلم فقد أدريان برودي 14 كيلوجراما للدور من خلال تناول نظام غذائي يومي من اثنان من البيض المسلوق والشاي الأخضر للإفطار، وقليل من الدجاج لتناول طعام الغداء، وقطعة صغيرة من السمك أو الدجاج مع الخضار على البخار لتناول العشاء على مدى ستة أسابيع.ومن أجل التواصل مع الشعور بالخسارة المطلوبة تخلص أدريان برودي من شقته، باع سيارته، ولم يشاهد التلفزيون، وتعلم أدريان برودي كيفيه العزف علي البيانو لدوره.

أما توماس كريتشمان فهو قائد الجيش الألماني ولعب دوره توماس كريتشمان ؛ممثل ألماني بدأ مسيرته الفنية عام 1988…وبالطبع الفيلم تضمن قائمة الـ بي بي سي لأعظم 100 فيلم في القرن 21.

وأثناء تصوير الفيلم التقي رومان بولانسكي بالرجل الذي ساعد عائلة بولانسكي بالبقاء على قيد الحياة في الحرب، واستكالا لاستخدام اليهود للهولوكست نجد أن رومان بولانسكي يذكر دوما أنه عانى نفسه من المحرقة؛ فقد أرسل والداه إلى معسكري اعتقال مختلفين؛ والده إلى موثوهاوزن-جوسن في النمسا حيث نجا من الحرب، ووالدته إلى أوشفيتز حيث قتلت.

ومن المعروف أن «رومان بولانسكي» مولود في فرنسا عام 1933 لأبوين يهوديَّين، وانتقلوا للعيش في بولندا عام 1937، في واحدة من أكثر الفترات توتراً واضطراباً في أوروبا، والتي سرعان ما ازدادت سوءاً وبدأ كابوس الاجتياح النازي لأوروبا في أثناء الحرب العالمية الثانية، استطاع أن ينجو بحياته من الملاحقة النازية، وعاش مع بعض الأُسر الكاثوليكية الفارّة من الاضطهاد، بعد انتهاء الحرب، أبدى «بولانسكي» اهتماماً كبيراً بالتمثيل والإخراج، وظهر في بعض الأفلام البولندية في بداية الخمسينيات؛ وفي مسابقة الأوسكار السينمائية الشهيرة لعام 2003، منحت الأكاديمية جائزة أفضل مخرج غيابياً لـ«رومان بولانسكي»، وسط عاصفة من التصفيق، والدعم من جميع نجوم هوليوود، والعام نفسه؛ حصد الفيلم جائزة «السعفة الذهبية» في مهرجان «كان» الفرنسي، وكأن الجميع قد تناسى أن الرجل فارٌّ من  محاكمة في قضية اغتصاب فتاة لم تبلغ عامها الرابع عشر بعد، لمجرد أن فيلمه حكى للعالم مأساة يهودية أخرى، في حين أصر البعض على أنه مهما كانت جرائمه، فهو «يستحق» الجوائز التي أُعطيت له..ومدير التصوير الفوتوجرافي باويل ادلمان قام بسحب اللون ببطء من جميع المشاهد كلما تقدم الفيلم للدلالة على تدهور المدينة و سبيلمان نفسه، ودانيال سبيلمان الحفيد الحقيقي للشخصية الرئيسية فلادسلاف سبيلمان لعب دور الصبي في الحي اليهودي في السوق وفي وقت لاحق.

ولقد جلس كل من رومان بولانسكي ورونالد هاروود يشاهدون لساعات طويلة اللقطات الأصلية التي أطلقها الألمان أثناء الحرب، وصورا على حد سواء للقطات الفيديو التي صممت عمدا لأحداث الأثر الأكبر للفت للانتباه.ونشرت رواية فلادسلاف سبيلمان السيرة الشخصية لحياته في جيتو وارسو خلال الحرب التي شهدها النظام النازي بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب، ومع ذلك، فإن الحكومة الشيوعية التي استولت في بولندا رفضت نشرها لسنوات عديدة لأنها لم تكن مع إصدار موثق من الأحداث.

الجدير بالذكر أن متحف يادفاشيم للمحرقة النازية قام بتكريم الضابط الألماني الذي أنقذ الموسيقي اليهودي البولندي في فيلم «عازف البيانو»؛ والضابط الراحل الكابتن فيلم هوزنفيلد واحدا من العسكريين الألمان القلائل في الحرب العالمية الثانية الذين فازوا بلقب «صالح من الأمة» بين نحو 22 ألف شخص تم تكريمهم لمساعدتهم اليهود على تفادي الموت في المحرقة النازية.

وقال المتحف إن هوزينفيلد الذي تمركز في العاصمة البولندية التي احتلها النظام النازي في الفترة بين 1940 و1944 كان يعمل كضابط لشؤون الثقافة والرياضة مع انه كان ضالعا أحيانا في عمليات الاستجواب، وساعد هوزنفيلد في إيواء وإطعام عازف البيانو فلاديسلاف سبيلمان الذي كتب عن طيبة هذا الضابط في مذكراته بعد الهروب من جيتو وارسو حيث كان محاصرا بوصفه يهوديا، وقال ياد فاشيم إن مذكرات احد الناجين الآخرين من المحرقة قالت إن هوزينفيلد قدم له عملا بعد أن فر من قطار كان متجها إلى معسكر تريبلينكا للموت حيث أرسل معظم سكان الجيتو، وقال ياد فاشيم إن المذكرات والخطابات أثبتت انه أعرب عن «رعبه من إبادة الشعب اليهودي» على أيدي دولة يخدمها.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى