نون والقلم

حنان أبو الضياء تكتب: محراب المبدع « صبرى موسى »!

فى السويعات الأولى من يوم 18 يناير 2018، رفرف طائر الرحيل بجناحيه على قلب «صبرى موسى» النابض بالحياة ليعدو به الى عالم الأبدية..

صبرى موسى إنسان من طراز فريد، الصمت لديه يقاس بميزان من ذهب، ويعقبه دوما فكرة تعبر بك خارج أطر الممكن.. اقترابك منه يعنى الإبحار فى عالم من الإنسانية التى لا تعرف حدود العنصرية من تصنيفات المنصب والجنس واللون، فهو يتعدى تلك المسميات ليعبر بك إلى سويداء القلوب.. إنه المستغنى عن زخرف الحياة، الراضى بما أعطته له من بصيرة تحتوى وتعطى أكثر كثيرا مما أخذت. إنه الكاتب المثير للدهشة مع الوهلة الأولى من عبورك إلى مفرداته البكر التى لم تعرف عفونة الأفكار المغلفة المعبأة مسبقا، والتى نتناولها دوما من خلال إرهاصات كتاب أكسبتهم الآلة الإعلامية المزيفة بريق المبدعين فتصدروا المشهد ليخفوا بطلتهم الإسمنتية بريق الذهب لأمثال «صبرى موسى».

ومعه أنت فى محراب مبدع وكاتب مختلف.. الأشخاص لديه تقيم علاقات مختلفة مع القارئ ولها دلالتها التى تخرج من إطار الخاص إلى العام لتغوص معك فى أبعاد فلسفية مستندة على موروث ثقافى ذو منحنى أسطورى للمكان والزمان.. هو العاشق للمزج بين ما يطرحه من رؤى معاصرة للإنسان الذى ما زال المكان متحكم فيه مهما عاش فى بيئات مختلفة فهو فى النهاية ابن لأرضه ومكانه، إن أبطاله دائمو البحث فى طبيعة الانفعال فى تجاربهم الشخصية، لأن الانفعال من الأبعاد الرئيسية داخل بناء الصورة المفردة لعالمهم، وموقفهم من الحب والموت والحياة بمجملها، طارحا تلك الإبداعات من خلال منظومة لغوية تتصل بالبناء الأدبى السابق لعصره اتصالا وثيقا، وبخاصة فى فن التجديد الإبداعى، مقدما إبداعات مكانية وأخرى زمانية لا ترتبط بزمن محدّد ولكنها تهتم بالإنسان فى حياته الروحية والطقوسية، حاشدا لصور رائعة تستعصى بصورة مطلقة على النسيان، مشكلة منعطفا بالغ الأهمية فى مسيرة إبداعاته الأدبية، لذلك لم يكن غريبا عندما أدار «صبرى موسى» ظهره للمدن الكبرى، وبدأ بحثا ممتدا عن الواقع الروحى الجديد الذى سعى إليه من خلال أدب الصحراء، ليقدم للقارئ جوهر الحياة، منجذبا إلى حلم الفوز بفردوس أرضى.

والإنسان هو القضية الأولى والمهمة عند صبرى موسى وخاصة المسكوت عنه فى عالمه، ففى «حادث النصف متر» تراه مغرقا فى تعمقه داخل الإنسان بكل ما فيه من تناقضات غريبة لا تبدو على السطح إلا فى مواقف نادرة ولكنها مصيرية تحدد حياته المستقبلية وتشير إلى جذوره وأفكاره المخبأة بداخله والتى قد لا يعلم هو نفسه عنها شيئا، تلك القصة التى لاقت هجوما كبيرا، والذى وصل إلى حد مطالبة مجلس الأمة وقتها بوقف نشرها، وخاصة أنه طرح فيها نظرة المجتمع للشرف عند الفتاة، ولكنه تناولها بحساسية عالية بعيدة عن المباشرة المستخدمة لعلاج التى الموضوعات المنتهية الحساسية.. وفى «السيد فى حقل السبانخ» سبق عصره فى أدب الخيال العلمى من خلال السيد هومو من حقل السبانخ المتوقف عن تيار الحياة اليومية فى عصر العسل بعد الحرب الإلكترونية الأولى فى القرن الرابع والعشرين.

وإذا اقتربت من روايته العالمية «فساد الأمكنة»، التى تعود إلى ليلة قضاها صبرى موسى فى «جبل الدرهيب» بالصحراء الشرقية قرب حدود السودان، وبطل الرواية نفسه، آى نيكولا، مهاجر من مدينة روسية صغيرة، مقدما الصراع الأزلى ما بين الطبيعة والإنسان، والأهواء ستجد نفسك أمام الروح السعيدة المشوبة بالاستغراق فى البحث عن الذات وإيجاد سبب للوجود. وكما عاش «صبرى موسى» فى هدوء استأذن للرحيل فى سكون وصمت العارفين بحقيقة الحياة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى