دوشة فنية

حنان أبو الضياء تكتب: «قتلوا أبي أولا» بتوقيع «أنجلينا جولي»

الأرهاب لادين؛ ولأ أرض له؛ ولكنه نتاج قناعات شخصية  وجدت التربة والمناخ الراعى لها؛ وهذا ينطبق على كل ما رأيناها من أحداث محلية وعالمية ؛ وهذا ما دفعنى للكتابة عند أحد الأفلام الهامة التى تناولته وللأسف لم يحظ بالقدر الذى يستحقه من الأهتمام رغم أنه التجربة الأخراجية الرابعة للنجمة الأميركية أنجلينا جولي First They Killed My Father «قتلوا أبي أولا»، والذى قدمته مستندة إلى مذكرات امرأة عاشت في ظل نظام الخمير الحمر الذي تسبب في قتل الكثيرين بالإعدام والتجويع والعمل المفرط في سعيه إلى إقامة بلد زراعي مثالي؛ عن رواية تحمل عنوان «قتلوا أبي أولا» للونج أونج، الناشطة في الدفاع عن حقوق الإنسان، التي تستذكر فيها فظائع النظام الكمبودي الذي أودى بحياة مليوني شخص بين 1975 و1979.

وتناول الفيلم الجرائم المرتكبة في عهد نظام الخمير الحمر من خلال عيني طفلة كمبوديى. ولقد تأثرت أنجلينا جولي كثيرا بكتاب لونج، وساعدها ذلك على فهم أفضل لكيفية عيش الأطفال للحروب وتأثرهم بها.

والفيلم أشار فى بدايته بشكل تسجيلى تقريرى الى تدخل الولايات المتحدة من أجل كسب الوقت الكافي لتنسحب من جنوب شرق أسيا، ولحماية حليفتها هناك وهي جنوب فيتنام، ومنع انتشار الشيوعية في كمبوديا.

وبالطبع أشارت انجلينا ان المسئول على تلك المأساة ليس فقط بول بوت الرئيسى الكمبودى ولكن كلا من ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر وحملات القصف غير الرسمية ضد بلد محايد.

في كمبوديا ، حيث وجدت حكومة الولايات المتحدة حقاً طريقة لإثبات نظريتها «الدومينو»: فقد تسبب العنف البشع في الألم والألم والغضب وشعبية الخمير الحمر في سلسلة من العواقب ، وهي عوامل أطاحت ضد بعضها البعض مثل الدومينو. حيث شاركت قوات الولايات المتحدة الأمريكية وكل من فيتنام الشمالية وفيتنام الجنوبية مباشرة (مرة واحدة أو أكثر) في القتال.

ساعدت الولايات المتحدة الحكومة المركزية بحملات قصف جوية أمريكي ضخمة ومساعدة مالية وتقنية مباشرة.وبعد خمس سنوات من القتال الوحشي، هزمت الحكومة الجمهورية في 17 أبريل 1975 عندما أعلن الخمير الحمر المنتصرون إنشاء كمبوتشيا الديمقراطية. وللأسف أدت الحرب الأهلية الكمبودية إلى وقوع الإبادة الجماعية الكمبودية، والتى تعد واحدة من أكثر الإبادات الجماعية دموية في التاريخ وخلال فترة توليهم السلطة، حاول الخمير الحمر إعادة بناء كمبوديا، لتكون مدينة فاضلة للفلاحين من خلال وجهة نظرهم هم ، حيث اضطهدوا أعضاء من فئات النخبة والمتعلمين، وأسفر حكمهم عن مصرع خمس سكان البلاد. ومع ذلك تم إنقاذ الفيلم من الأستغراق فى  أيديولوجية الإرهاب.

ومن المعروف أن أنجلينا جولي  تهتم بشكل كبير بكمبوديا مسقط رأس ابنها بالتبني مادوكس، وحضر عرض فيلمها نورودوم سيهاموني ملك كمبوديا وأفراد وعائلات نجت من فظائع النظام الشيوعي.

والفيلم التجربة الرابعة لأنجلينا جولي في الإخراج السينمائي، وكتبت جولي سيناريو الفيلم بالتعاون مع مؤلفة الكتاب، وشاركها في إنتاجه المخرج الكمبودي ريثي بانه، مخرج فيلم «الصورة المفقودة» الذي رشح للفوز بجائزة الأوسكار عام 2013، لأفضل فيلم بلغة أجنبية.

 ولقد كان أول أعمالها عام 2011 «في أرض الدم والعسل» وتناول مآسي الحرب في البوسنة.والثاني «أنبروكن»، الذي رُشِح للفوز بثلاث جوائز أوسكار عن عداء أولمبي أميركي سقط أسيرا في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، و الثالث «بجانب البحر» الذي شاركها في بطولته النجم براد بيت، نفس المستوى من القبول. وهذا يؤكد ان انجلينا جولى تهتم بالمآسى الأنسانية للحروب من خلال اعمالها الاخراجية!

ومن المعروف أن الخمير الحمر حزب سياسي حكم في كمبوديا ؛ والتي سميت وقتها كمبوتشيا الديمقراطية – منذ عام 1975 إلى عام 1979. وهو عبارة عن حلف لمجموعة احزاب شيوعية في كمبوديا تطورت لاحقا لتشكل الحزب الشيوعي لكمبوتشيا أو اختصارا (PCK) ولاحقا حزب كمبوتشيا الديمقراطية.

عرفت أيضا باسم منظمة حزب الخمير الشيوعي أو الجيش الوطني لكمبوتشيا الديمقراطية.وهو المسئول عن موت 1.5 مليون شخص في ظل نظامهم، عن طريق الإعدام، والتعذيب والأعمال الشاقة . حاول زعيمهم بول بوت تطبيق نوع راديكالي متشدد من الشيوعية الزراعية حيث يجبر كامل المجتمع على نوع من الهندسة الاجتماعية تجبرهم على العمل في مجتمعات زراعية أو في اعمال شاقة، على الرغم من أن العالم المعاصر شهد العديد من الدكتاتوريات العنيفة، إلا أن فترة حكم الخمير الحمر بزعامة بول بوت لكمبوديا، على قصرها، تعد الأكثر فظاعة ووحشية وغرابة ويبدو هذا واضحا فى الفيلم .

كما تعرضت جميع الأديان في كمبوديا للحظر تحت طائلة الموت. وتم تدمير المعابد البوذية والكنائس وجميع مساجد كمبوديا وعددها 180. وهناك مشاهد تعذيب وأهانة لكل الرهبان البوذيين وأجبرهم على العمل بالحقول.

ويمكن القول إن جرائم الخمير الحمر في كمبوديا وممارساتهم العنيفة تعد من أشد صفحات التاريخ المعاصر دموية ورعبا. هذه الدكتاتورية العنيفة جاءت كمعظم مثيلاتها بشعارات براقة عن مجتمع مثالي!.

ولقد ركز الفيلم على كيفية أجبار نظام الخمير الحمر الكمبوديين على العمل في مزارع جماعية بأدوات بدائية لمدة تمتد من 12 – 14 ساعة يوميا، وبنظام تغذية قاس. وقام بحرق منازلهم حتى لا يجدوا مكانا يلجؤون إليه، وحظر الصيد ليتفرغ المواطنون للزراعة والكدح. وخاصة أن  أنجلينا جولى ارادت تصوير فيلم عن هذا البلد، عن التاريخ وليس الحرب وعن القوة والأسرة. فأنجزت عملًا بارعًا يمتلك صفة فنية حقيقية ورائعة بتكييف مذكرات نشرت عام 2000 من قبل المؤلف الكمبودية ، عن نشأته في منتصف السبعينيات في وقت حملة العنف التي قام بها الخمير الحمر ، والتي قضت على ربع سكان البلاد.

لذلك يمكن مقارنة «قتلوا أبي أولا»  بأفلام المخرج الفيتنامي تران آنه هونج ، صاحب  فيلم «الغابة النرويجية »؛ وخاصة فى المشاهد الأنسانية The Scent Of Green Papaya  و At The Height Of Summer

وأشارت أنجلينا الى استقبال شعب كمبوديا المنهك بالفقر وبالفساد وبالغارات الجوية الأمريكية على المناطق المحاذية لفيتنام «المحررين الجدد» بفرح غامر، لكن ذلك لم يدم طويلا، وسرعان ما غمر الجميع رعب لا حدود.

ودارت احداث الفيلم حول العيش في ظل نظام الخمير الحمر بكمبوديا،  حيث أدت ساريوم سري موتش دور لونج وهي فتاة صغيرة والدها شرطي في ظل النظام القديم المدعوم من الولايات المتحدة. عندما يصل الخمير الحمر إلى انتصار ثوري ، يدرك والديها أنهما يجب عليهما أن لا يقدما أي تلميح إلى أنهما كانا في يوم من الأيام ضمن النظام السابق.فيدعي الأب أنه عامل يدوي ويؤكد أنه لا يتحدث الفرنسية ، لتعيش الأسرة بأكملها أسوأ حياة ومن أجمل المشاهد المعبرة عن ذلك  ويعبر عن مأساة الأطفال كم ان الاطفال جائعون عندما يتم القبض على عنكبوت ويتم طهيه ؛وأستطاعت أنجلينا مع المصور السينمائي Anthony Dod Mantle ، مستخدمة السكون البصري المخيف ، لأظهار المشقة والألم. من خلال أستخدمها اللقطات العلوية الرائعة أظهار مزرعة الخوف الأيديولوجية فالأشخاص الذين يعملون هناك يشبهون الحشرات. وخاصة عندما تموت شقيقة لونج ، فلا يُسمح لأمها بأكثر من بضع ثوانٍ للبكاء ، ثم يجب عليها الاستمرار في العمل.

والجميل عندما تشرح البطلة الصغيرة لأختها فكرة التناسخ فالجسد الميت يظل نائماً بشكل مكثف لمدة ثلاثة أيام ، ثم يدرك أنه  ميت ، ويذهب إلى النهر ثم يستعد للعودة. ليكون رد فعل الاخت الصغيرة بكل حزن قولها :أنها تأمل أن لا تعود أختها  إلى هذا. ثم تجبرهم الأم الى الهروب بعد أخذ الأب ليقتل ؛ لتستمر حالة الهروب فى أقسى تجربة أنسانية وسط مذابح جماعية وتعبئة للأطفال معنويا وحربيا للحرب ضد فيتنام ؛وبعد حرب أهلية استمرت 5 سنوات تجئ المشاهد النهائية للفيلم ، مظهرة أبطاله كبالغين ناضجين مع سقوط قوات الخمير الحمر المعبأة بأفكار متطرفة ذات صبغة شيوعية ؛وكأنها دعوة للتفاؤل والعيش من جديد.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى