اخترنا لكدوشة فنية

حنان أبوالضياء تكتب: وحشية الإنسان ورعبه في (Hold the Dark)

بصورة جميلة بكل ما فيها من رعب وشعور بالشر القادم من تلك البرية وإضاءة متمكنة؛ ورؤية فلسفية  لما يجمع بين الإنسان والشيطان يدخل المشاهد إلى عالم امسك الظلام (Hold the Dark)، فيلم الإثارة الأمريكي للمخرج جيرمي سولنير وكتابة ماكون بلير، أحد الأعمال الهامة التي أنتجتها نتفليكس.

والفيلم مقتبس من رواية تحمل نفس الاسم تأليف وليام جيرالدي، بطولة جيفري رايت،الكسندر سكارسجارد،جيمس ديل وريلي كيو. أحد الأفلام التي شاركت في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي؛ تجربة جديدة جيرمي سولنير صاحب عملي Blue Ruin وGreen Room  ؛ وربما أنه في هذا العمل يقترب أكثر من  Blue Ruin   «الخراب الأزرق » الذي دارت أحداثه في نفس السياق الانتقامي لفيلمه الحالي فبطله في «الخراب الأزرق» أحد المغتربين الغامضين، يعيش حياة هادئة؛ وفجأة تنقلب هذه الحياة الهادئة رأسًا على عقب، عندما يعود إلى منزل طفولته لينفذ عملًا انتقاميًا، فيبرهن لذاته أنه قاتل هاو، حين يخوض معركة قتالية وحشية لحماية أسرته المنفصلة.

 وفيلمه «الحجرة الخضاء» ينتمي إلى تلك المدرسة التي تميل إلى النسج العنيف والانتقامي للأحداث؛ وبالتالي فأننا أمام مخرج أختار أسلوبه من البداية معتمدا على دموية المعالجة وهذا ما نجده في  فيلمه الجديد Hold The Dark؛ ويقول سولنير: «عادةً ما أصنف أفلامي بأنَّها متفردةٌ، وعلى هذا الأساس أنا مجبر على خوض تجارب جديدة، وقد فكرت في أنَّ نصَ الفيلم مادةٌ غامضةٌ أكثر من كونها خارقةً للطبيعة، وهناك ما يكفي من الخصائص الذاتية للشخصيات، بحيث يمكن دائمًا تفسيرها وتفسير تصرفاتها بطُرُق مختلفة».

وهذا العمل هو اللقاء الثالث مع كاتب السيناريو ماكون والذي كان معجبا جدا برواية أمسك الظلام : «قرأت كتاب Hold The Dark في جلستين وأنهيته بعدما شعرت بإثارة حقيقية، فالكتاب نفسه مذهل وجذاب، وقد فكرت مباشرةً في عمل يخرجه جيرمي، وتخيلت أنَّه الرجلُ المناسب لتولي مهمة الإخراج».

وأدى جيفري رايت دور عالم طبيعي صاحب خبرة واسعة بالذئاب؛ وله عدة كتب في ذلك؛ اتصلت به ميدورا (رايلي كيو)، الأم الشابة  التي تعيش على حافة برية ألاسكا، وأخذت ابنها الصغير الذئاب، وكل حلمها اصطياد الذئب وقتله قبل أن يعود زوجها فيرنون (ألكسندر سكارسجارد) من الحرب التي نعرف من مشاهدها أنها في العراق، يوافق رايت رغم ترده؛ وخاصة أنه يرى «إن النظام الطبيعي لا يبرر الانتقام»، وهذا ما قاله «لميدورا»، وكأنه يعرب عن ازدواجيته بشأن الذهاب إلى الغابة لقتل الذئب قاتل طفلها؛ تلك الازدواجية التي نراها أيضا في حياته الشخصية؛ ولكنه يكتشف أن ميدورا كاذبة بل أنها هي القاتلة؛ لنكتشف أنها قتلته لتخلصه من ظلمته التي ورثها عن والده؛ رغم أنها نفسها تحتوى هذا القدر من الظلمة والذي يربط بين وحشية هؤلاء البشر والذئاب؛ وهو ما أشير إليه مبكرا في الفيلم عندما تخرج Medora من الحمام، عارية، وتضع قناع الذئب المخيفة، ثم تدخل إلى السرير مع رايت؛ وهذا المشهد ليس للإثارة ولكن أشارة إلى حقيقة الواقع .

وأن فيرنون ،الذي رأيناه في العراق يقتل زميله بكل وحشية أثناء اغتصابه لفتاة عراقية عند عودته، يتحول إلى شخص أكثر ظلمة وأكثر خطورة؛ مما يؤكد أن ما فعله سابقا لم يكن دفاعا عن الفتاة بقدر ما هو أخراجا لمحتواه الدموي.

  واستكمالا لأفلام Saulnier السابقة؛ نسير عكس كل الأفلام العديدة والتي تصور رومانسية الشمال الثلجي سائرا على نفس أسلوب الإثارة والغموض في  أفلام مثل Ravenous أو Wendigo أو The Last Winter؛ ولكنه هنا يدخلك في حوار بدون كلام مع الحيوانات المجسدة إلى جانب التعمق في التقاليد الروحية للقبائل الأصلية في تلك المناطق  وكأنه هناك عقدا مع وحشية المكان وظلمته البيئية والنفسية والشيطان مما يجعل الأمر أكثر رعبا.

الفيلم ملئ بالعنف ولكن أكثر مشاهده عنفا كانت في منتصفه وتمثل تصويرًا عنيفًا بين الشرطة والشاهد على الجرائم «ألكسندر سكارسجارد» الشرير بشكل فعال رغم أنه ليس أكثر من مجرد آلة قتل؛ وكان يخزّن الأسلحة في حظيرة منزله، إنه مشهد يؤكد على انعدام القانون في البرية هناك، وسواء كان ذلك المشهد ضروريًا أم لا، فقد تم تصويره بشكل رائع، ليبدأ بطلقة على كتف دايل حيث تفتح نافذة الحظيرة دون علم لمعظم الشخصيات، تليها نيران الرشاشات التي تملأ الشاشة؛ وكأنه يستكمل مشاهد الذئاب الغامضة المخيفة التي سبقت المشهد، ويحضر المشاهد لاكتشاف غموض العلاقة بين ميدورا وفيرنون والتي تعتمد على التلاحم بينهما من خلال كمية الظلام والدموية بداخلهما؛ فلا يقتلها لأنها قتلت ابنها بل يسيرا سويا ويحملان معا نعش طفليهما!. أننا هذا العمل ليس أمام الذئاب وقتلها للأطفال في هذه القرية النائية، بل إننا أمام غموض يفوق ذلك بكثير، وخاصة أننا جميعنا نخاف لشياطين، ولكن هناك من البشر مَن يُصاحبها، ويفوقها في أعمالها؛ ليصبح الأكثر شرا على الإطلاق؛ لذلك فالفيلم لا يدور عن عالم الشياطين ومخلوفات الجن وعوالم ما وراء الطبيعة؛ ولكن في  عالم البشر.

ولقد استعان المخرج كعادته بفريق  من الممثلين المميزين وعلى رأسهم جيفري رايت الممثل الأمريكي الحاصل على جائزة الإيمي 2004 لأفضل ممثل مساند في مسلسل قصير عن دوره في ملائكة في أمريكا، كما حصل بنفس الدور على جائزة الجولدن جلوب 2004؛والكسندر سكارسجارد بدور فيرنون الممثل السويدي المشهور بدور مصاص الدماء اريك نورثمان في المسلسل التلفزيوني دم حقيقي، كما شارك في أفلام عديدة مثل زولاندر والشرق؛ ورايلي كيو التي قامت بدور ميدورا وهى واحدة من أكثر الممثلات الشابات إثارة في عالم اليوم، وهى ممثلة أمريكية بدأت مسيرتها الفنية عام 2010. وابنة المغنية وكاتبة الأغاني ليزا ماري بريسلي، وحفيدة إلفيس بريسلي، إلى جانب جيمس بادج دايل بحضوره القوي كرجل شرطة محلي يدفع حياته ثمنا لاكتشاف الحقيقة؛ وجيمس بادجيت ديل لعب دور البطولة في فيلم 13 ساعة: جنود بنغازي السريين بدور تايرون قائد فريق البحرية.

 

 للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا  

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى