نون والقلم

حمادة فراعنة يكتب: مرض العداء للآخر

 استمعت لمقابلة تلفزيونية لثلاث نساء إيزيديات، تعرضن للاغتصاب بغطاء شرعي عبر الزواج القسري من قبل إرهابيي داعش والقاعدة، ولممارسة الجنس بالإكراه طوال فترة الحبس المنزلي من قبل أزواجهن الإرهابيين، وإعادة الاستعمال مع إرهابيين آخرين، عبر عملية طلاق من إرهابي والزواج بالإكراه من آخر، فشعرت بالحزن والمرارة والتعاطف معهن وتصورت أن هذه المرأة الإيزيدية أمي أو أختي أو زوجتي، وشعرت بالقرف والعار أن هذا الإرهابي تربطني معه عقيدة واحدة، وقومية واحدة، أو انتماء بشري واحد، فهو خال من الذوق والأخلاق والعقيدة والانتماء، إنه وحش بري أكل للحوم البشر في ثوب إنسان يفتقد للإنسانية، فكيف لنا أن نتصور وجود مثل هذه الوحوش المفترسة لأسراها ولمواطنيها، لأنهم من ديانة أخرى أو من قومية أخرى أو من مذهب آخر.

البشرية تتقدم إلى الأمام، تهزم الحدود والفواصل وتنزع نحو احترام إنسانية الإنسان، بصرف النظر عن جنسه أو قوميته، أو لغته أو دينه أو مذهبه، ودققوا بحجم القيادات الإسلامية التي هربت من أوطانها إلى أوروبا بسبب الاضطهاد، فذهبت إلى هناك لتزرع الحقد والكره للمجتمع الأوروبي الذي آواها وحضنها ووفر لها الأمن والحماية الشخصية والاجتماعية وضمانات حرية الرأي والمعتقد، ليعود آثارهم ونتاج عملهم وتنظيمهم ونشاط أفعالهم متطرفون تم تمريرهم عبر تركيا إلى سوريا والعراق، أوغلوا بدماء العراقيين والسوريين من المكونات العراقية والسورية المختلفة ومنهم الأيزيديين والكرد والمسيحيين والأشوريين.

التجربة المرة التي مر بها العراق وسوريا وكذلك ليبيا واليمن والصومال والسودان  ولازالوا، تستوجب من قادة الفكر وصُناع الرأي العام الحث والدعوة لترسيخ قيم الشراكة والمواطنة وقبول الآخر كما هو، ونبذ التفرقة والعنصرية والأحادية ورفض الآخر، وعلينا أن نستوعب معادلة الاحترام المتبادل والتي تقول: حتى يحترم الآخر اعتزازي بعروبتي علي أن أحترم كرديته وأمازيغيته وإفريقيته وتركمانيته وقبطيته، وحتى يحترم إسلامي علي أن احترم مسيحيته ويهوديته، وهكذا حتى نواصل العيش بأمان في وطن حُر يعيش فيه الأحرار، وطن التعددية والديمقراطية لكل مواطني عالمنا العربي.

لقد انقسم السودان على خلفية قومية ودينية، وذهب الكرد نحو الاستفتاء بدوافع الظلم والمذابح والأنفال التي تعرضوا لها وغياب المساواة والندية والتكافؤ مع العرب، ولذلك حتى نحافظ على بلادنا العربية موحدة، علينا أن نخلق الحوافز للمواطنين الآخرين حتى يكونوا معنا.

المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي يعمل عبر نفوذه على مؤسسات صنع القرار الأميركي لتدمير العالم العربي وتمزيقه وتقسيمه، ولذلك وقفوا مع إنقسام السودان، وكانوا الوحيدين المؤيدين لاستفتاء الكرد ويعملوا على تمزيق خارطة العراق وتقسيمه، ولن يتوانوا مع مصر لتحريض الأقباط، ومع الأمازيغ في الجزائر والمغرب، ودعموا ما حصل في سوريا والعراق بشكل خفي واستخباري وتسليحي بهدف استنزاف سوريا والعراق وشل دورهما القومي، وها هم يلعبون دوراً تحريضياً في الخليج العربي بشكل علني وواضح لتأجيج مظاهر العداء نحو إيران مستغلين التطلعات الإيرانية غير المشروعة لمد نفوذها في المشرق العربي، فهل ننتبه ؟؟ هل نتعظ ؟؟ هل نرتق لمستوى إنسانيتنا النقية من الشوائب؟؟

نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى