نون والقلم

حسين منصور يكتب: سالازار والمشاركة والفاعلية

في فصل للعبث سافر على صبري إلى البرتغال، ومكث هناك مدة طويلة لتفهم تجربة الاتحاد القومي التي أقامها الديكتاتور أنطونيو سالازار،  وعاد إلى مصر ليضع الأسس التنظيمية لتنظيم الثورة السياسي  الاتحاد القومي.

وقام ناصر بتعيين كمال الدين حسين سكرتيرا عاما للاتحاد، وأصبح الاتحاد القومي هو المسئول عن تحديد الأسماء المقبولة للترشح للانتخابات وغير الانتخابات… وكان هو الأساسات القويمة للبناء الجديد فيما بعد…. الاتحاد أيضا ولكن الاشتراكي.

وكان البكباشي طلعت خيري من خارج طابور الضباط الأحرار قد أصبح وزيرا دائماً للشباب منذ الخمسينيات والمسئول الرسمي عن تطورات تنظيمات الشباب من منظمة الشباب وعلاقاتها مع الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي.

وشاركه الصاغ وحيد رمضان  في بعض المهام في إطار هيكلة هرمية يحركها عبد الناصر ويشرف على تلك التحركات زكريا محيى الدين  بغض النظر عن أسماء من يأتون بهم رؤساء أو أمناء للمنظمة أو التنظيم وخلافه.

كانت إقامة قصور الثقافة ومراكز الشباب وهى قد بدأت من قبل 52 لأجل نشر الثقافة المفتوحة لجميع أفراد الشعب، حتى إنه أطلق على قصور الثقافة الجامعة الشعبية قبل 52  وتوفير حق  ممارسة الرياضة للجميع، ولا تكون حكراً لأرباب النوادي المغلقة على الفئات  القادرة فحسب وكذا، فهي المدخل الطبيعي  لممارسة الهوايات الفنية والأدبية.

ويكون التداول والحوار  هو الطريق لصياغة معاني قبول الآخر، واعتياد  تفهم أن العالم متسع لي وللآخرين… أما مراكز الشباب وقد تزايد عددها وتجاوزت الأربعة آلاف مركز في كل قرية وكل شياخة… فمراكز الشباب  هي  بؤرة مركزة لجذب الموهوبين، واكتشاف أصحاب القدرات المتميزة والمؤهلين لخوض البطولات وتمثيل الوطن.

وفى نفس الوقت فإن مركز الشباب بوجوده في الحي وتجميعه للأسر التي تشكل عضويتها الجمعية العمومية للمركز، فإنه يتحول إلى ساحة اجتماعية واسعة للتواصل الإنساني والاجتماعي بين أبناء الحي الواحد، وتتحول عملية انتخاب مجلس إدارته إلى بنية أساسية للديمقراطية الشعبية لاختيار الأفضل  لإدارة ما يخصنا وما نمتلكه ويعبر عن صالح جماعي  يشارك فيه الجميع في الحي أو الشياخة.

تلك الأساسات  المتعلقة ببنية المجتمع عبر قصور الثقافة أو مراكز الشباب –  في ظل اختفاء الأحزاب طبقا لحلها في يناير 53 –   كانت الوعاء القادر على حفظ حيوية المشاركة  وصناعة عادات وإمكانيات الاختيار والمفاضلة وقبول الآخر ودورية الانتخاب والمحاسبة والشفافية مما يضمن قواعد شعبية واسعة تمارس التسامح  والاختيار والقبول بروح رياضية وتسامح  وفهم لدورية الغياب والحضور كآليات متجددة  لا تعنى النهاية، بل تعنى الاستعداد لأداء أفضل  ويتجدد  هذا المعنى مع  تجدد المسابقات الدورية بين المحافظات والمناطق وأسابيع المسرح والمعارض التشكيلية وجماعات الأدب والتفاعل القائم بين الموهوبين للتطوير والفهم  المتبادل، وبالطبع عملية اختيار مجالس الإدارات  لمراكز الشباب  وتجديدها وتغييرها طبقا لآلية الانتخاب.

كل هذا كان كفيلا بنشر ثقافة التسامح والشعور بالمسئولية والواجب الانتخابي  وقبول الاختلاف بكافة صوره.

ألقى سالازار  بظله الفاشي المستبد على كافة تنظيمات ومشاريع التواصل  الشعبي من تنظيمات سياسية نشأت في حضن السلطة، فخضعت لصراعات الحكم وشلليته بعيداً عن الناس  ومقار رياضية وثقافية  استعملت لحساب الحيازات الشخصية للقريبين من السلطة وتم استبعاد الناس عنها تماما، ففقدت دورها وتحولت لبؤر واسعة للفساد والبلطجة وصياغة الكراهية والنقمة  وروح  عدم الاكتراث.

آثار وتبعات التنظيم الواحد الفاشل المستبد لم تطح بالتجربة الحزبية العرجاء التي عادت على يد السادات، بل أطاحت بأجيال وانعكست على أداء وتفاعل الشعب  وأشاعت عدم الاكتراث، وقضت على نجاح مراكز الشباب طريقاً لخلق أبطال ومواهب للوطن ومدرسة لممارسة الحقوق والواجبات وصناعة التسامح… نجح سالازار أن يمد ظله إلى مصر في حين  جرفته شموس وأزهار الثورة القرنفلية في مسقط رأسه في البرتغال.

نائب رئيس حزب الوفد

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

  tF اشترك في حسابنا على فيسبوك  وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى