نون والقلم

حسين منصور يكتب: الوجدان الحقيقى والمزيف

فى أعقاب كارثة حريق نوتردام – باريس وخلال تصفحى ما هو متعلق بها عبر تاريخها وإنشائها وجدتها تحظى بعشرات اللوحات الزيتية والمائية لفنانى فرنسا من مختلف المدارس الفنية وأثار هذا الأمر فضولى فتتبعت الكاتدرائيات الشهيرة فى اسبانيا وايطاليا فوجدتها قد حظت بهذا الأمر فى كاتدرائية العائلة المقدسة ببرشلونة أو كنيسة القديس بطرس الشهيرة بروما وبالطبع كاتدرائية فلورنسا العريقة.

وقفز إلى ذهنى على الفور وماذا عن الذاكرة الفنية التصويرية لآثار مصر القديمة الفرعونية وتراثها الضخم من الجوامع والآثار الإسلامية وقد ترك يوسف كامل انطباعاته عن الحقول والمزارع وصور أيضًا بعض الاسبلة القديمة ولكنه ترك ثروة من لوحات الدجاج والحمام والحيوانات المنزلية بما يعكس انفعاله بالواقع القائم فى المنزل المصري في الريف أو على أطراف المدينة بل وداخل المدينة  فكان وجدانه صادقا وريشته صادقة فيما تنقل. وسجل راغب عياد الريف المصري كأروع تسجيل فى دورة العمل للفلاح وحركة الساقية وتدويرها بواسطة الثور والجاموسة وسجل حركة قطعان الجواميس والمواشي وقيادة الفلاح لها فنقل صورة حية لواقع الفلاح والوطن وكذا انفعل محمد ناجى في نقله البيت الريفي والحقل وحيوانات الحقل ولكن المدهش أن تتبع أعمال التشكيليين المصريين الأقرب بعد جيل الرواد وصولا إلى أيامنا تلك نجدها تخلو من أي رصد لواقع المدينة والشارع ولا نجد أثرًا لجامع أو لسبيل ولا نرى السلطان حسن الطود الشامخ فى العمارة الدينية ولا جامع المؤيد شيخ ولا نلمح رأسًا لأبى الهول وللأهرامات الجيزة الشامخة ولا نرى حصن بابليون والكنيسة المعلقة!!

ومن المدهش والمؤلم أن نرى السجل الكامل لآثار مصر القديمة عبر عصورها المختلفة قد تم فنيا وتصويريًا في لوحات وصف مصر والرسامين المستشرقين فى القرون الـ18 و19 وقد ترك النمساوي لودفيج دويتش والفرنسى بسكال كوست والانجليزي جون فريدريك لويس والاسكتلندي ديفيد روبرتس والفرنسى جان ليون جيروم وغيرهم ثروة هائلة من التصوير الزيتي والمائي لآثار مصر القديمة سواء في مصر العليا أو في القاهرة والجيزة  أو في رشيد والإسكندرية وقد نقلوا معابد الأقصر وقنا وادفو واسنا وصوروا القاهرة من مختلف الارتفاعات والزوايا وسجلوا المساجد والكنائس تسجيلا دقيقا وتتبعوا الحياة الاجتماعية في مصر لمختلف المهن والأسواق والرجال وجلساتهم على المقاهي والسيدات وتجمعاتهن والأسبلة والحمامات القديمة حتى أنه يمكن لأي متابع أن يكوّن صورة تكاد تكون مكتملة عن طبيعة حياة المصريين عبر قرون أربعة أو يزيد قد خلت!!

ولا نستطيع أن نتصور معنى انفعال الفنان والمصور بواقعه وأهله ووطنه وهو لم يمر ببصره وبقلبه بأعتى معالم الوطن والحركة اليومية فلا أفهم أن أجد الذاكرة الفنية الحديثة تكاد تكون عارية من بدائع المعمار الديني والتراث الضخم لمساجد العصور المختلفة الطولوني والفاطمي والمملوكي والعثماني فلا نجد أثرا لمسجد ابن طولون ولا لمحة لجامع محمد على ولا الرفاعى  ولا نجد أثرا لمعبد الأقصر أو الكرنك ولم يعلم تمثالي ممنون لدى أي من فناني الوطن فتتحرك ريشته تسجيلا ولم تترك أعمدة أبيدوس ملمحًا في خلفية عين رأته أمرًا بالغ الغرابة أن يخلو وجدان الفن التشكيلي المصري من التعايش والانفعال الحقيقي لمن غاص في تلافيف بلاده فعرفها وعب منها عبًّا ألم يروا كيف فاز مختار بصالون باريس عن عمله عروس النيل ولم يشاهدوا لوحة سرادق العزاء لمحمود سعيد التي سجل فيها شكل السرادق وقماش السرادقات التاريخي بفن الخيامية البديع الزخرفة وقد اختفى الآن فحمل جزءًا غاليا من ذاكرة الوطن!!

نائب رئيس حزب الوفد

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى