نون والقلم

حسين الرواشدة يكتب: هذه المعادلة خطيرة

ثمة علاقة وطيدة بين الاستغناء و الطغيان، فالفرد الذي يشعر بأنه استغنى بقوته او ماله او معرفته او سلطته لا يعرف الطريق الى الله تعالى، ولا يعترف بالاخر، ولا يحفظ امانة الخلافة ومسؤولية العمارة اللتين خلق من اجلهما.. والدولة حين يأخذها الاستغناء بقوتها وجبروتها تقع ايضا في مصيدة الطغيان، ومثل ذلك الجماعة والحركة والامة.. بل والبشرية ايضا حين تتنكب صراط ربها.. وتبحث لها عن بديل خارجه.
حدث ذلك في التاريخ مع فرعون حين استغنى فطغى، ومع قارون حين بسط الله تعالى له المال فتجبر، ومع ابي جهل وابي لهب وغيرهما، وحدث ذلك مع الامم التي ظنت ان ما انتهت اليه من قوة هو من صنع نفسها، فاستغنت عن الله ومارست طغيانها، حتى اذا جاءت لحظة الحساب: جعلناها كأن لم تكن.. وتبرناها تتبيرا.
وفي عالمنا اليوم ثمة استغناء وطغيان، عولمة تخترق الخصوصيات وتلغي الاخر وتستغني عن العالمين، وفي داخلها يمتد الطغيان والاستكبار، وانسان تضخمت فيه الانا واستبد به الاحساس بالاكتفاء او وهم الاشباع، يتحول الى طاغية، وصدق الله العظيم «كلا ان الانسان ليطغى أن رآه استغنى «.
وعلى هذا الخط الذي ترسمه المعادلة يمكن ان نفهم ما يجري في عالمنا من صراع، بين اتباع الحضارات او الديانات او الثقافات، او بين من يحتل الارض ومن يدافع عنها، او بين من يملك الثروة ومن حرم منها، ولذلك جاء الاسلام الذي فهم النفس البشرية واحسن التعامل معها بالدعوة الى ترتيب العلاقة الانسانية على اسس سليمة من التوازن والوسطية، وتذكير الانسان دائما بأنه ضعيف ومحتاج الى خالقه والى الكون ايضا» ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير»، والتقدير الرباني – هنا – هو قانون وسنة ينبغي على المسلم ان يفهمها وهو يتعامل مع واقعه، اذ ان الحال تتغير وما سيكون عليه غدا قد يختلف عما هو كائن فيه اليوم، مما يرتب عليه محاسبة نفسه وادامة علاقتها مع السماء.. لا الخلود الى حسابات اللحظة، او اوهام الذات.
ان العلاقة التي تربط الناس ببعضهم – كما يراها الاسلام – لا تقوم على المصلحة فقط، فاذا استغنى عن اخيه تجبر عليه، واذا احتاج اليه اقترب منه، وانما تقوم على القيم السامية، والاخلاق الرفيعة، والحب في الله ومن اجله وكذلك البغض فيه تعالى ولاجله، عندها – فقط – لا يعود الاستغناء مفضيا الى الطغيان، وانما الى الاحساس الايماني العميق بحاجة الانسان الى خالقه، والانسان الى اخيه، وتلك معادلة لو استقامت، لما فجعنا في هذه الانسانية المعذبة بالحروب والانقسامات والطغيان.. ولما اكل الانسان اخاه الانسان.

نقلا عن صحيفة الدستور

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى